سيزيف مصري

في الأسطورة الأغريقية، سيزيف في الجحيم وعقابه أن يرفع صخرة من القاع حتي قمة جبل شاهق، وقبل أن يصل بقليل تسقط منه لأسفل، فيعود ليبدأ من جديد، بلا نهاية. ما أشبه ذلك بنا، أولادك يا بلدي

Friday, February 04, 2011

أهداف سويف بصحيفة الجارديان: النظام المصري يطلق بلطجيّته مرة أخرى


أهداف سويف بصحيفة الجارديان: النظام المصري يطلق بلطجيّته مرة أخرى ...
عندما استيقظت على أصوات نفير السيارات، عرفت أن هناك شيء ما ليس على ما يرام. كان هناك جو من الهدوء والسلام في الأيام القليلة الماضية، حتى أننا بدأنا نرى الخفافيش مرة أخرى، بينما تحط وتطير من على أشجار الفاكهة وقت المساء. لم تكن هذه هي الضوضاء المعتادة لمرور القاهرة؛ كانت عدوانية، ومنتظمة، ومتواصلة، مثل ما يحدث بعد مبارة لكرة القدم .. أقرب لضوضاء مسيرة الجموع.

من خارج نافذتي رأيت الحشد يسير على كوبري 15 مايو. كان غريبا: جماعة مؤيدة لمبارك تبدو في سيرها أكثر خضوعا لنظام صارم – وأقل تحضّرا بكثير: تلوث سمعي، وإيماءات بذيئة في الشارع، وعِصِي، وهذا السلوك – وفي الوقت نفسه لافتات مكتوبة بإتقان بالغ، و"متعهّدين" ينظّمونهم ويقودونهم.

قبل ظهر اليوم كانوا قد بدأوا في مهاجمة ميدان التحرير؛ تتواصل الهجمات بينما أكتب الآن. تأتيني الأخبار بانتظام من الميدان من ابني، وبنات أختي، وأختي، وأصدقاء آخرين في قلب الحدث. الناس التي كانت ليلة الثلاثاء تستمع للموسيقى وتتجادل بخصوص أشكال الحكومة تخاطر الآن بأجسادها. إنها كل ما لديهم. أما الناس المؤيدة لمبارك، فلديها، بالطبع، عصي، وحجارة، وسيوف، وجنازير، وكلاب، وعربات نقل و ... الجيش يقف مكتوف الأيدي ولا يفعل شيئا.

إذن، من هم هؤلاء الناس؟ في دعمهم للرئيس، يقذفون بزجاجات المولوتوف، وأواني الزهر، من فوق أسطح البنايات، على رؤوس النساء والأطفال. من أجل توطيد الاستقرار والنظام، يكسرون الرؤوس بالصخور، والأرجل بجنازير الدّراجات. ليقولون كلمتهم في الجدل الدائر، يشرطون الأوجه بالسكاكين. من هم؟ حسنا، في كل مرة يتم القبض على أحدهم تقول بطاقة هويّته أنه أحد أفراد قوات الأمن. وببساطة، يسلّمه الشباب الذين يقبضون عليه للجيش الذي يقف مكتوف الأيدي.

هكذا، مرة أخرى يظهر النظام الحاكم تفاهاته؛ ولأنه غير قادر على أن يأتي بأي شيء لائق أو مبتكر، يلجأ إلى مزيجه المعتاد من الوحشية والأكاذيب. ليلة الثلاثاء أتى الرئيس مبارك في التليفزيون وفي سلوك به تعالٍ على بقية الدولة زعم أن المصريين يستحوذ عليهم الخوف، وتظاهر بأن نظامه، الذي كان يعمل على تنمية الدولة بينما يسرق الخبز من أفواه شعبها، صار الآن، فجأة، جاهزا لأن "يستجيب لمطالب شبابنا". وذكّر الناس بتاريخه (القديم الآن) كطيّار بالقوات الجوية وأضاف شيئا يثير الدموع يتعلّق بكونه رجل عجوز يريد أن يموت في بلده.

وفي الصباح التالي، لم تكن قد مضت 12 ساعة على النداء العاطفي للرئيس، عندما أطلق النظام بلطجيته في الشوارع. نفس التكتيكات التي كانت تستخدم ضد المتظاهرين على مدى السنوات الخمس الماضية – نفس التكتيكات التي استخدمت في الانتخابات الأخيرة لترويع الناخبين في الشوارع – ظهرت وبشراسة مضاعفة. هذا هو النظام الذي سوف يستمع للناس ويستغل الأشهر المقبلة للعمل على الإصلاحات. لا ريب.

ستكون خدعتهم التالية قولهم أن الشباب في التحرير عناصر "أجنبية" .. أن لهم صلات بالـ "إرهاب" .. أنهم زاروا أفغانستان .. أنهم يريدون زعزعة استقرار مصر. ولكن الآن، العالم كله يعلم أن هذا النظام يكذب بنفس السهولة التي بها يتنفس. ما الذي ما قالته مغنية أوبرا أمريكية أولى، ذات حسّ أدبي، عن أخرى؟ 'كل شيء تقوله كذب، حتى الـ "الواو" والـ"ألف لام"؟'

الناس هنا تسبق حكومتها بكثير. إذا أمكنك أن ترى كيف يخبرك الأطفال في الشارع أن النظام يريد أن يلقي بمسئولية هذه الحركة على الإسلاميين لكي يخيف الغرب – بينما كانت قد بدأتها في الحقيقة 11 مجموعة شبابية على موقع فيسبوك، وفقط واحدة منها ذات صبغة دينية، وعلى نحو بالغ الاعتدال .. إذا أمكنك أن ترى المستشفى الميداني الصغير الذي أقامه أطباء متطوعون – أغلبهم طبيبات شابات – ليعالج الناس، والأدوية التي تنهمر من أهل الأماني الطيبة .. إذا أمكنك أن ترى الشباب بسراويل الجينز المتدلية وقمم بوكسراتهم بادية للأعين وهم يكوّنون سلسلة بشرية لحماية ما كسبته الناس على مدار الأسبوع الماضي في التحرير .. إذا أمكنك أن ترى بنات أختي بشعرهن الذي ينساب كرايات النصر وهن يرسلن التويتات [رسائل قصيرة بموقع تويتر] خائفات على حياتهن في وسط كل هذا ... ستعلم هذا بما لا يدع أي مجال للشك: مصر تستحق مكانها في الشمس – خارج ظل هذا النظام الوحشي.

أهداف سويف، مؤلفة رواية "خارطة الحب"، التي رُشحت لجائزة البوكر، والعديد من الكتب الأخرى. تعيش في القاهرة ولندن.

هذه ترجمتي لمقال نُشر بصحيفة الجارديان البريطانية، 2 فبراير 2011

http://www.guardian.co.uk/commentisfree/2011/feb/02/egyptian-regime-thugs-protesters

1 Comments:

  • At 8:25 PM, Blogger Unknown said…

    ان شاء الله سنتخلص من النظام البلطجي

     

Post a Comment

<< Home