سيزيف مصري

في الأسطورة الأغريقية، سيزيف في الجحيم وعقابه أن يرفع صخرة من القاع حتي قمة جبل شاهق، وقبل أن يصل بقليل تسقط منه لأسفل، فيعود ليبدأ من جديد، بلا نهاية. ما أشبه ذلك بنا، أولادك يا بلدي

Saturday, February 05, 2011

في صحيفة واشنطن بوست: ما الذي يجب أن يفعله مبارك قبل أن يستقيل


ما الذي يجب أن يفعله مبارك قبل أن يستقيل

حسام بهجت وسها عبد العاطي

القاهرة

كمواطنين مصريين، وكمدافعين عن حقوق الإنسان، كنا في الشوارع هنا، وفي ميدان التحرير، منذ يوم 25 يناير، من أجل كرامة وحرية كل المصريين. لا نريد أكثر من النهاية الفورية لعهد مبارك، الذي اتّسم بالقمع والتجاوزات والظلم. يبث فينا العزم تحوّل المجتمع الدولي من طلب "ضبط النفس" و"الاستجابة" إلى ترديد طلبنا إلى حسني مبارك بالتنحّي والانتقال الفوري نحو الديمقراطية.

ولكن حتى يبدأ انتقال حقيقي نحو الديمقراطية، يجب ألا يستقيل مبارك قبل أن يصدر قرارات، وفقا للدستور المصري، فقط يمكن للرئيس أن يصدرها. ليست هذه، ببساطة، مسألة فنّيّة قانونية؛ إنها، كما قال ناثان براون في تدوينته على موقع فورين بوليسي، السبيل الوحيد للخروج من أزمة أمّتنا السياسية.

ينص الدستور المصري على أنه في حالة استقالة الرئيس أو "خلو" منصبه بشكل دائم، يجب أن يحل محله رئيس مجلس الشعب، أو، في حالة عدم وجود مجلس شعب، رئيس المحكمة الدستورية العليا. وفي حالة عجز الرئيس مؤقتا على مباشرة اختصاصاته، ينوب عنه نائب رئيس الجمهورية كرئيس مؤقت للبلاد. في كلا الحالتين، يجب أن يتم انتخاب رئيس جديد في مدة لا تتجاوز ستين يوما. النقطة بالغة الأهمية هي أن الدستور يمنع الرئيس المؤقّت من إجراء تعديلات دستورية، أو حل مجلس الشعب، أو إقالة الوزارة.

إذا لم يعد مبارك اليوم متاحا للقيام بدوره كرئيس، فالرئيس المؤقت سيكون واحدا من اثنين. إذا قرر أن يغادر البلاد، مثلا، "لأسباب علاجيّة" سيكون الرئيس المؤقت هو عمر سليمان، المدير السابق للمخابرات العامة، الذي تم تعيينه مؤخرا نائب للرئيس. المصريون، خاصة هؤلاء منا الذين يطالبون بإنهاء حكم مبارك الذي استمر ثلاثين عاما، يرون سليمان بوصفه "مبارك الثاني"، خاصة بعد الحديث المطوّل الذي أجراه بالتليفزيون المصري يوم 3 فبراير، الذي اتّهم فيه المتظاهرين في ميدان التحرير بتنفيذ أجندات خارجية. لم يبالي حتى بأن يخفي تهديداته بعقاب المتظاهرين.

من ناحية أخرى، إذا ضُغط على مبارك حتى يستقيل فورا، سيكون لدينا حتى من هو أسوء ليكون رئيسا مؤقتا: فتحي سرور، الذي يعمل رئيسا لمجلس الشعب منذ عام 1990. وظّف سرور طويلا خبرته القانونية للحفاظ على ترسانة القوانين الجائرة والإضافة لها – القوانين التي استخدمها نظام مبارك ضد الشعب المصري. وحيث أنه ولا سليمان ولا سرور سيمكنه أن يعدّل الدستور في فترة الولاية المؤقتة، فالانتخابات الرئاسية التالية سيتم إجراءها تحت القوانين الانتخابية المقيّدة على نحو فاضح، التي وضعها مبارك عام 2007. سيضمن هذا فعليا عدم وجود أي مرشح معقول يمكنه أن ينافس الرئيس المؤقت.

لهذا، فقبل أن يستقيل مبارك يجب أن يوقّع قرارا رئاسيا يفوّض بموجبه كل صلاحياته لنائبه، حتى تنتهي مدتهما الحالية في سبتمبر. أصدر مبارك قرارات مشابهة يخوّل بها سلطاته إلى رئيس الوزراء، عندما دخل المستشفى عامي 2004 و2009. بالإضافة لهذا، يجب أن يصدر مبارك قرارات يرفع بموجبها "حالة الطوارئ" التي سمحت له بقمع الحريات المدنية للمصريين منذ عام 1981 ويأمر بها إطلاق سراح أو محاكمة هؤلاء الخاضعين للاعتقال الإداري بدون أي اتهام – يقدّر عددهم بالآلاف.

وأيضا قبل استقالة مبارك، ينبغي أن تتولى لجنة مستقلة من القضاة المحترمين، وخبراء القانون الدستوري، وممثلي المجتمع المدني وكل الحركات السياسية، صياغة لغة تعديل الدستور للتأكد من أن الانتخابات الرئاسية ستكون مفتوحة لكل المرشحين المعقولين؛ وأن المصريين بالخارج سيسمح لهما – لأول مرة – بالتصويت؛ وأن أي رئيس منتخب سيسمح له بالاستمرار بمنصبه لفترتين رئاسيتين فقط؛ وأن الانتخابات سيشرف عليها مراقبون قضائيون ومدنيون. أغلب هذا يعمل على إزالة الضرر الذي تسبب فيه مبارك بتعديلاته الدستورية عام 2007.

هذه التعديلات يجب أن يتم تقديمها للبرلمان، وطرحها للاستفتاء الشعبي في الحال. مزاعم سليمان بأن الوقت قصير ليس لها أساس وتفتقر للأمانة؛ من أربعة سنوات، قام مبارك وحزبه الحاكم بتعديل 34 فقرة في الدستور في شهرين فقط.

بعد ذلك، يجب تعيين حكومة انتقالية متعددة الأطياف لخدمة الشعب حتى يتم انتخاب رئيس، والأهم من ذلك بغرض الإشراف على الرئيس المؤقت. يجب أن تحتوي هذه الوزارة ذات القاعدة الواسعة على ممثلين محترمين من كل القوى السياسية بالدولة. متى تم انتخاب رئيس جديد، يمكننا أن نتحرك نحو صياغة دستور يكفل تحوّل مصر من الديكتاتورية إلى الديمقراطية ويحفظ المساواة الكاملة وكافة حقوق الإنسان. سيتبع ذلك انتخابات برلمانية حرة ونزيهة.

هناك ثلاثة عناصر إضافية لا غني عنها لينجح هذا الانتقال: أولا، الإشراف المدني على الشرطة وقوات الأمن سيوقف التجاوزات، ويضع المتجاوزين موضع المسائلة، ويساعد على ضمان أمن هؤلاء الذين يشاركون في الثورة الديمقراطية. تأسيس مجلس أمناء مستقل لتليفزيون الدولة وإذاعتها للتأكد من الحياد في إذاعة البرامج وتمثيل كل الآراء السياسية. تعهّد حازم من الجيش بالعمل بمثابة قيّم محايد على الانتقال يخدم مصالح الشعب وليس النظام الذي فقد شرعيته، وهو أمر شديد الأهمية.

دفع المصريون ثمنا باهظا في الثلاثين عاما الماضية، ودفعوا حتى ما لا يمكن تعويضه منذ بدأت هذه الثورة. دعونا ننهي حكم مبارك بالطريقة الصحيحة حتى يمكننا بناء مستقبل أفضل.

حسام بهجت وسها عبد العاطي هما، على الترتيب، المدير التنفيذي والمديرة المساعدة للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية (www.eipr.org).

هذه ترجمتي لمقال نشر في صحيفة واشنطن بوست، 4 فبراير 2011

https://www.washingtonpost.com/wp-dyn/content/article/2011/02/04/AR2011020404123.html

0 Comments:

Post a Comment

<< Home