سيزيف مصري

في الأسطورة الأغريقية، سيزيف في الجحيم وعقابه أن يرفع صخرة من القاع حتي قمة جبل شاهق، وقبل أن يصل بقليل تسقط منه لأسفل، فيعود ليبدأ من جديد، بلا نهاية. ما أشبه ذلك بنا، أولادك يا بلدي

Sunday, April 30, 2006

مصر بتاكل ولادها اللي طعمهم حلو


مصر بتاكل ولادها اللي طعمهم حلو

هذا الشعار أو التعليق القاسي والذي يرتجف له جسدي حين اتمثله كان علي إحدي اللافتات التي يحملها الشباب في وقفتهم الاحتجاجية أو اعتصامهم علي الرصيف في شارع الحجاز بالمهندسين أمام مسجد الحامدية الشاذلية، في
يوم العزاء الجماعي لضحايا محرقة مسرح بني سويف في 5 سبتمبر 2005 . كانوا يرفضون الدخول إلي السرادق المقام بالمسجد لأن هناك "مسئولين عن الحادث بالداخل" علي حد تعبيرهم، فكانوا يتقبلون العزاء علي الرصيف، في ليلة لم أري مثلها

كان طبيعي أن أتذكر تلك الجملة الآن بعد
أحداث 26 و27 إبريل الأخيرة، وضرب واعتقال المعتصمين أمام نادي القضاة تضامنا مع اعتصام القضاة بناديهم (اعتراضا علي إحالة قاضيين لمجلس صلاحية لقولهم بعدم نزاهة الانتخابات في مجلس الشعب وانتخابات رئاسة الجمهورية وحدوث تزوير بها). أكثر من 50 من الزملاء النشطين بكفاية وشباب من أجل التغيير وحزب الغد ونشطاء مستقلون و.. باختصار من كل الحركات السياسية الأكثر فاعلية الآن (مقارنة بمثيلاتها). ومنهم من اعتقل ولا نعلم أين هو حتي الآن

صورة لأنثي وحش أسطورية أقدامها في قاع المستنقع ورأسها تبرز هائلة وشاهقة، رأس تنين رمادية قبيحة يسيل من فتحاتها ذلك السائل الذي يملأ المستنقع حتي يفيض علي حدود شاطئه منه: العفن. مستنقع من العفن بداخله أولاد ذلك الكائن، الملايين والملايين، تسبح وتغوص وتعيش وتأكل. ثم تهجم علي أولادها الذين يحاولون الطفو علي السطح، لتأكل منهم من تأكل في شراسة ووحشية، غير مبالية بالصرخات والعويل والدماء، يساعدها عجزهم عن الحركة بالسائل اللزج المقزز وعمي أعينهم به

قطعا ليست هي أمهم وليسوا هم اولادها، رغم أنهم كذلك. خلصت الحكاية

نحبها ونكرهها، نريد أن نغادرها وتريد أن نموت فيها، نعرفها ولا تعرفنا، الداعرة المقدسة والطاهرة المدنسة، يقول نجيب سرور "يا جنة خضراء سورها نبي/ يا قصة حمقاء يكتبها غبي/ يا داعرة..يا طاهرة/ يا قاهرة." نحتاج لوجود كائن مثل الشيطان وندّعي وجوده وراء كل هذا، لنبرر تلك الازدواجية الشيطانية

مكسب الحركات السياسية في العامين الآخرين كان حرية التظاهر، والذي قلنا مرارا عليه أن كل ما نكسبه لن نتنازل عنه أبدا. أبدا. كل ما في الأمر أن وحش المستنقع كان يترك هؤلاء المغامرين الذين يطفون علي سطح مستنقعه يهتفون ويبصقون عليه لأنه يريد أن يتركهم

الضغوط الخارجية (ماما أمريكا) كانت وراء كل هذا التسامح. لماذا لم تستمر تلك الضغوط؟ لأن الولايات المتحدة لا تعنيها الديمقراطية في حد ذاتها، ولا الشعوب في حد ذاتها، والأمر مرجعه فقط إلي تغيّر المصالح السياسية، ولكن هل نظلمها بهذا القول؟
أحب الحضارة الاغريقية واسهامها للحضارة الانسانية في الألفية الأولي قبل الميلاد، والذي تمثل في الفلسفة. بعد حرب طويلة مع الفرس انتصرت دولة المدن الإغريقية، ورغم أن اسبرطة والدول الاغريقية الأخري اكتفت بما احرزته من نصر وحرية، قررت أثينا وحدها أن تواصل الحرب حتي تتحرر كل المدن الاغريقية من الفرس. كان يعنيها أن تكون كل المدن الباقية حرة، وليس لتؤمّن حدودها أوتحمي "عمقها الاستراتيجي". هل كان لهم هدف غير معلن؟ لا أظن، وإن كان هذا رأيي الشخصي فأنا أصدقهم. ماذا عن الولايات المتحدة الآن؟ لا يعنيها من الذي يحكم (إسلاميين أو غيرهم لا يهم، المهم أن يختاره الأغلبية – ديمقراطية الانتخابات وحكم الأغلبية)، لا يعنيها أي دستور يحكم به (في أفغانستان التي حررتها أمريكا يتم تطبيق حدود الشريعة الاسلامية، التي لا تتوافق مع الديمقراطية الأمريكية)، لا يهمها ما تفعله مصر بأولادها، إنها مسألة عائلية – الآن فقط – بينما كان الأمر مختلف من بضع شهور. السياسة لا أخلاقية، نعلم هذا، ولكن هل يكفي هذا كمبرر لنرضي بما يحدث؟ رغم كل هذا فإن أثينا تلك هي التي قتلت سقراط
كلهم سقراط لا يجدي الهروب
بينما الأرض أحيطت بالوباء
هكذا نشرق دوما في الغروب
في أثينا غيلة أو كربلاء
كلام نجيب سرور مرة أخري، ولكن في زماننا لا يوجد سقراط ولا الحسين.. ولا نجيب

والناس..الشعب...المواطنين..الملايين في سباتهم؟ يحتاجون ان يبدأوا من جديد " في البدء كانت الكلمة!" إنه ذنبهم الذي لم يقترفوه ولم نقترفه

الإخوان المسلمين قاموا بمظاهرة والوضع علي أشده في نفس اليوم 28 إبريل، وحدهم. دائما هكذا، لا ينسقون ولا يبالون بغيرهم، فغيرهم أقل من أن يضعوه في حساباتهم.......معهم الحق. نزلوا في مسيرة ألفين من المتظاهرين وصلوا في الشارع في حراسة آلاف الجنود من الأمن المركزي. كنا نعتقد أن مظاهراتهم ستكون بالحجم الذي نتوقعه بعد تلك الضجة في الانتخابات والبرلمان والصحافة، سمعت عن مرشح في دائرة بالقاهرة كان الأمن فيها يمنع الناس من الدخول لمقر التصويت للأدلاء بأصواتهم، فدخل للقاضي مراقب اللجنة ليخبره بأن معه بالأسفل 25 ألف شهيد يريدون التصويت أو الشهادة. أين تلك الآلاف؟ أين هم من القضاة الذين حولوا للتحقيق بعد ما وقفوا وقفتهم تلك أمام تلك التزويرات ضد مرشحيهم؟ نفس الموقف من ال 13 (علي ما أذكر) الذين قتلوا من أجل التصويت لهم في الانتخابات. ربما أرادوا التواجد ولو بشكل رمزي من منطق أنه يجب أن تكون لهم مساحة في تلك الأحداث الجسام، أو ربما ليس لديهم قاعدة شعبية حقيقية إلا في التصويت، ولا يستطيعون حشد مظاهرة حقيقية. المهم أنهم رغم أنهم تم ضربهم في تلك المظاهرة إلا أنه لم يعتقل منهم أحد، بعكس النشطاء السياسيين أو أعضاء الحركات السياسية الأخري، الذين كان لا حول لهم ولا قوة أمام حشود الأمن. لا تغيير ولا حل إلا بالناس.. أولئك في عمق المستنقع، عرفت أن المواطنين العابرين كانوا متضررين من الزحام و "العطلة" وأن بعضهم أشار علي الضباط بأن يضربوا بالرصاص هؤلاء المتمردين والواقفين علي سطح النقابة ويهتفون، حتي ينتهي الأمر

"الشرطة والشعب في خدمة سيادة القانون"، ذلك شعار الشرطة الجديد بعد "الشرطة في خدمة الشعب" و "الشرطة والشعب في خدمة الوطن". وكأن القانون هو الأهم وليس الناس، الناس خلقت لتطيع القانون، ولم يوضع القانون لخدمة الناس، كما يقول صديق لي. هناك اتهام صريح بدليل ضد د. أيمن نور، ولهذا يلقي جزاءه، وهناك اتهامات للنشطاء بالتجمهر وشعارات ضد الدولة والرئيس، ولهذا عليهم أن يلقوا الجزاء.. سيادة القانون

يتضامن الجميع مع القضاة، فهذه المرة الأمر يمس الجميع، صدر بيان عن كتّاب ومفكرين بعنوان "حاكمونا إذا حاكمتم القضاء" وإن كان لم يوقّع عليه اتحاد الكتّاب، وكل يوم يمر يعلن المزيد من الناس التضامن مع القضاة وتصدر المزيد من البيانات في الخارج والداخل، ولكن لم يكن هناك أحد منهم يوم الخميس الأسود 27 إبريل، لأنه لم يأت أو لأن الحصار منعه، النتيجة واحدة: المغامرين وحدهم في مواجهة الوحش الأسطوري، وفي النهاية لا يسعنا ولا الأطراف الأخري إلا القول بأن الأمر "عائلي"، وعلينا ألا نتدخل أكثر من هذا. وإذا تدخلوا فما يمنع أن يكون الرد مثل ذلك في حالة المستشار محمود حمزة، الاعتداء والضرب والسحل؟

لا، ليس العيب في الصخرة التي تحملها، سيزيف، ولا في يديك السائبة، ولا في الجبل ولا الآلهة القاسية

العيب كل العيب فيمن لا يطيع

الله لم يغفر خطيئة الشيطان حين قال لا
والودعاء الطيبون
هم الذين يرثون الأرض في نهاية المدي
لأنهم.. لا يشنقون
فعلموه الانحناء

وليس ثم من مفر
لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كل قيصر يموت: قيصر جديد
وخلف كل ثائر يموت: أحزان بلا جدوي
ودمعة سُدي


سيزيف مصري
30 إبريل
2006

3 Comments:

  • At 1:23 PM, Anonymous Anonymous said…

    عليا الحرنكش ياريس مبارك
    فى عصر مزركش ملون بنارك
    لابايعك وابايع حكومة حمارك
    ملعون ابو اللى يقدر يقاطع قرارك
    نهاره مقندل وليله مبارك
    فهمبك وهجص وطلع فى ديننا
    اكيد هو طالع يشاهد جمالك
    جمالك مبارك سوزانك سوزاننا
    يامحلا حصارك لمصر اللى جالنا
    نسيمها فى عصرك بيشوى فى بدننا
    اؤيد وابايع فخامة جلالتك
    وايد اى واحد بيمسح ريالتك
    ولانك سر باتع هاننسى هبالتك
    فاقعد ياريس ودلدل حمامتك
    حمامة السلام حمامتك ياريس
    سلامة الحمامة وسلامتك ياريس
    على تل مصر ياريتك تهيص
    خرابه فسيحة عليها تمتيس
    واامر تطاع فشعبك مفيص

    احمد فؤاد نجم

     
  • At 5:16 AM, Anonymous Anonymous said…

    سخافاتك المعتادة التي تتحفنا بها، وصلة ثورية تبدأ بها حديثك، ثم سباب أو تشكيك في الأمريكان بغرض فك الارتباط المحتمل أن يرميك به أحدهم، ثم تصفية حسابات مع الإخوان المسلمين، ألم أقل لك انهم سخافاتك المعتادة؟

     
  • At 5:36 AM, Blogger سيزيف مصري said…

    Thank you for flattering, dear. It seems that you are a steadfast fan of me, or more precisely, my ridicules. None realy knows or can claim to know what I really feel for the Americans, the Muslim Brothers, or even you.

     

Post a Comment

<< Home