نعوم تشومسكي: هذه هي أبرز انتفاضة في المنطقة يمكنني أن أتذكرها.
نعوم تشومسكي: "هذه هي أبرز انتفاضة في المنطقة يمكنني أن أتذكرها."
في الأسابيع الأخيرة، أدّت انتفاضات شعبية في العالم العربي إلى طرد الديكتاتور التونسي زين العابدين بن علي، ونهاية وشيكة لنظام الرئيس المصري حسني مبارك، وحكومة أردنية جديدة، وتعهّد من ديكتاتور اليمن الذي طال حكمه لها بأن يترك منصبه بنهاية فترة رئاسته. نتحدث إلى نعوم تشومسكي، الأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، عما يعنيه هذا لمستقبل الشرق الأوسط وسياسة الولايات المتحدة الخارجية في المنطقة. عندما سألناه عن تصريحات الرئيس أوباما ليلة أمس عن مبارك، قال تشومسكي: "أوباما، في حرص شديد، لم يقل أي شيء... إنه يفعل ما يفعله رؤساء الولايات المتحدة عادة. كما قلتُ، هناك كتاب لخطط اللعب: عندما يقع ديكتاتور يحظى بتأييدنا في مشكلة، حاول أن تسانده، وتشبّث؛ إذا أصبح الأمر في نقطة ما مستحيلا، تحوّل إلى الجانب الآخر." واصلنا اللقاء مع تشومسكي لخمسين دقيقة بعد البث المباشر.
ايمي جودمان: من أجل تحليل وضع الانتفاضة المصرية وتداعيات هذا على الشرق الأوسط وخارجه، ينضم لنا الآن المعارض السياسي الشهير وعالم اللغويات نعوم تشومسكي، الأستاذ الفخري بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومؤلف ما يزيد عن 100 كتاب، كان آخرها كتابه "آمال وتوقعات" Hopes and Prospects.
نعوم، مرحبا بك في "الديمقراطية الآن"! تحليلك لما يحدث الآن في مصر وما يعنيه هذا للشرق الأوسط؟
نعوم تشومسكي: حسنا، أولا فإن ما يحدث مبهر بكل ما في الكلمة من معنى. شجاعة وعزم وإخلاص المتظاهرين أمر غير عادي. وأيا كان ما سيحدث فإن هذه اللحظات لن تنسى، وبالتأكيد سيكون لها نتائج على المدى الطويل؛ لقد تغلبوا على الشرطة، وأخذوا ميدان التحرير، ولازالوا يقفون هناك في وجه الجماعات المنظمة من الغوغاء المؤيدين لمبارك – جماعات تنظمها الحكومة لتحاول أن تطردهم أو تخلق موقفا سيزعم فيه الجيش أن عليه أن يتحرك لاستعادة النظام، وحينها ربما يفرض نوعا ما من الحكم العسكري، أيا كان. من الصعب جدا التنبؤ بما سيحدث. ولكن الأحداث كانت بالفعل مبهرة. وبالطبع، هذا في كل أنحاء الشرق الأوسط. في اليمن، والأردن، تقريبا في كل مكان توجد توابع كبرى.
حتى الآن، تتبع الولايات المتحدة في الأساس كتاب خطط اللعب المعتاد. أعني، كانت هناك أوقات كثيرة فقد فيها ديكتاتور ما يحظى بتأييدها السيطرة أو كان في خطر فقدانه السيطرة. هناك نوع من الروتين النمطي – ماركوس، ودوفالييه، وتشوشيسكو، الذين كانت الولايات المتحدة وبريطانيا تدعمهم بقوة، وسوهارتو: استمر في دعمهم أطول فترة ممكنة؛ ثم، عندما يصبح الأمر غير محتمل – على نحو نموذجي، مثلا، إذا تحوّل الجيش إلى الجانب الآخر – غيّر موقفك 180 درجة، وازعم أنك كنت مؤيدا للشعب طوال الوقت، وامح الماضي، ثم قم بأي خطوات ممكنة لاستعادة النظام القديم تحت أسماء جديدة. هذا قد ينجح أو يفشل حسب الظروف.
وأنا أعتقد أن هذا هو ما يحدث الآن. إنهم ينتظرون ليروا ما إذا كان مبارك يمكنه أن يتشبث، كما يبدو أنه ينوي أن يفعل، وبقدر ما سيمكنه ذلك يقولون: "حسنا، علينا أن ندعم القانون والنظام، والتغيير الدستوري المعتاد" وهكذا. إذا لم يمكنه أن يتشبث، إذا مثلا انقلب الجيش ضده، إذن سنرى الروتين المعتاد يحدث. في الحقيقة، الزعيم الوحيد الذي كان صريحا حقا، وفي طريقه ليكون – إذا لم يكن هو الآن بالفعل – الشخصية ذات الشعبية الكبرى في المنطقة هو رئيس وزراء تركيا، إردوغان، الذي كان مباشرا جدا وصريحا.
ايمي جودمان: نعوم، أريد أن أكرر على مسامعك ما كان على الرئيس أوباما أن يقوله أمس.
الرئيس باراك أوباما: لقد عبّرنا بشكل علني عن الحاجة إلى التغيير. بعد خطابه اليوم، تحدثت مباشرة إلى الرئيس مبارك. إنه يدرك أن الوضع الحالي لم يعد محتملا وأنه يجب أن يحدث تغيير. بالفعل، كل منا، ممن يتشرف بالخدمة في مناصب السلطة السياسية يفعل هذا خاضعا لإرادة شعبه. عبر آلاف السنين، عرفت مصر الكثير من لحظات التحوّل. تخبرنا أصوات الشعب المصري أن هذه إحدى هذه اللحظات، هذه إحدى هذه الأوقات. الآن، لا يوجد دور لأي دولة أخرى لتقرر من هم زعماء مصر. فقط الشعب المصري يمكنه أن يفعل هذا. الأمر الواضح، والذي أشرت إليه الليلة للرئيس مبارك، هو اعتقادي أن انتقالا منظّما يجب أن يكون ذي معنى، ويجب أن يكون سلميا، ويجب أن يبدأ الآن.
ايمي جودمان: هذا ما كان يقوله الرئيس أوباما أمس في البيت الأبيض. نعوم تشومسكي، رد فعلك لما قاله الرئيس أوباما، وخيبة أمل الكثيرين أنه لم يطلب أن يرحل مبارك في الحال؟ والأهم من ذلك، دور الولايات المتحدة، لماذا يكون للولايات المتحدة أي دخل هنا، عندما يتعلق الأمر بقدر الدعم الذي قدمته للنظام الحاكم؟
نعوم تشومسكي: حسنا، أوباما في حرص شديد لم يقل أي شيء. مبارك سيوافق أنه ينبغي أن يكون هناك انتقال منظّم، ولكن إلى ماذا؟ وزارة جديدة، بعض التغييرات المحدودة في النظام الدستوري-هذا عقيم. لهذا فهو يفعل ما يفعله قادة الولايات المتحدة دائما. كما قلتُ، هناك كتاب لخطط اللعب: عندما يقع ديكتاتور يحظى بتأييدنا في مشكلة، حاول أن تسانده، وتشبّث؛ إذا أصبح الأمر في لحظة ما مستحيلا، تحوّل إلى الجانب الآخر.
الولايات المتحدة لديها الدور الأكبر هنا بلا منازع. مصر هي ثاني أكبر متلقٍ للمعونات الأمريكية العسكرية والاقتصادية على مدى فترة طويلة. إسرائيل هي الأول. أوباما نفسه كان شديد التأييد لمبارك. يجدر بنا أن نتذكر أنه بينما في طريقه لهذا الخطاب الشهير في القاهرة، الذي كان من المفروض أن يكون خطابا لاسترضاء العالم العربي، سألته الصحافة – أعتقد إنها كانت الـ بي بي سي – ما إذا كان سيقول أي شيء عما أطلقت عليه حكومة مبارك الاستبدادية. وأوباما قال لا، أنه لن يقول شيئا. قال: "لا أحب أن استخدم التصنيفات للشعوب. مبارك رجل جيد. ولقد فعل أشياء جيدة. لقد حافظ على الاستقرار. سنواصل دعمنا له. إنه صديق." وهكذا. هذا واحد من أكثر ديكتاتوريي المنطقة وحشية؛ أما كيف يمكن لأي أحد أن يأخذ تصريحات أوباما عن حقوق الإنسان على محمل الجد بعد هذا، فهو أمر غامض بعض الشيء. ولكن الدعم كان شديد القوة على الصعيد الدبلوماسي. والعسكري – الطائرات التي تحلّق فوق ميدان التحرير هي، بالطبع، طائرات أمريكية. الولايات المتحدة هي – كما كانت – الداعم الأقوى والأرسخ والأهم للنظام الحاكم. ليست مصر مثل تونس، حيث كان الداعم الرئيسي هي فرنسا. إنهم الطرف الأول المذنب هنا. لكن في مصر، فهو بوضوح الولايات المتحدة، وبالطبع إسرائيل. إسرائيل – من بين كل دول المنطقة، إسرائيل، وأعتقد المملكة العربية السعودية – كانت هي الأكثر صراحة في موقفها والأكثر دعما لنظام مبارك. في الحقيقة، كان الزعماء الإسرائيليون غاضبين، وعلى الأقل عبروا عن غضبهم، أن أوباما لم يأخذ موقفا أقوى في دعمه لصديقهم مبارك.
ايمي جودمان: تكلم عما يعنيه هذا للشرق الأوسط يا نعوم تشومسكي. أعني، نحن نتكلم عن الاحتجاجات الضخمة التي حدثت في الأردن، إلى درجة أن الملك عبد الله قد أقال الآن وزارته وعين رئيس وزراء جديد. في اليمن هناك احتجاجات كبيرة. هناك دعوة إلى احتجاج كبير في سوريا. ما الذي يتضمنه هذا، الانتفاضة من تونس إلى مصر الآن؟
نعوم تشومسكي: حسنا، هذه هي أبرز انتفاضة في المنطقة يمكنني أن أتذكرها. أعني، أحيانا ما تقارن بأوروبا الشرقية، ولكن ليست هذه مقارنة دقيقة. لسبب واحد، ففي هذه الحالة، ليس هناك نظير لجورباتشوف في الولايات المتحدة أو أي قوى كبرى أخرى تدعم الديكتاتوريات. هذا اختلاف ضخم. الاختلاف الآخر، هو أنه في حالة أوروبا الشرقية، اتبعت الولايات المتحدة وحلفاءها المبدأ العتيق بأن الديمقراطية جميلة، على الأقل حتى نقطة معينة، إذا كانت تتفق مع الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية، وبالتالي فهي مقبولة في أرض العدو، ولكن ليست في أرضنا. هذا مبدأ راسخ، وبالطبع هذا يميّز بوضوح بين الحالتين. في الحقيقة، المقارنة الوحيدة المعقولة إلى حد ما، يمكن أن تكون مع رومانيا، حيث تشوشيسكو، أكثر ديكتاتوريي المنطقة وحشية، الذي ظلت الولايات المتحدة تدعمه بقوة شديدة حتى النهاية. وعند ذلك، عند الأيام الأخيرة، عندما تمت الإطاحة به وقتله، اتبعت إدارة بوش الأولى القواعد المعتادة: اتخذت وضعية أنها في جانب الشعب، وأنها ضد الديكتاتورية، وحاولت أن ترتب لاستمرار العلاقات الوثيقة.
ولكن هذا مختلف تماما. إلى أين سيؤدي بنا، لا أحد يعرف. أعني أن المشاكل التي يحاول المتظاهرون التعامل معها متأصلة الجذور، ولن يتم حلها بسهولة. هناك فقر كبير، وقمع، وافتقار ليس فقط للديمقراطية ولكن للتنمية الجديّة. كانت مصر والدول الأخرى بالمنطقة تمر بمرحلة من الليبرالية الجديدة أدّت إلى نمو على الورق، ولكن مع التوابع المعتادة: تركيز مرتفع للثروات المبالغ فيها والامتيازات، وإفقار كبير وإحباط للغالبية. وهذا لا يتغير بسهولة. ينبغي أيضا أن نتذكر أنه، فيما يخص موقف الولايات المتحدة، فما يحدث هو قصة قديمة جدا. في زمن الخمسينات، كان الرئيس إيزنهاور –
ايمي جودمان: عشرة ثواني في الحلقة يا نعوم.
نعوم تشومسكي: عذرا؟
ايمي جودمان: تتبقى عشر ثواني على نهاية الحلقة.
نعوم تشومسكي: آه.
ايمي جودمان: أكمل ما كنت تقوله عن إيزنهاور
نعوم تشومسكي: نعم، هل أكمل؟
ايمي جودمان: خمس ثواني. رجاءا – سنحتفظ بهذا لحقوق موقعنا الحصرية فيما بعد. كنا نتحدث مع نعوم تشومسكي. يمكنك زيارة موقعنا الإلكتروني democracynow.org، وسنضع المزيد من لقاءنا معه غدا على موقع "الديمقراطية الآن"!
هذه ترجمتي للقاء على موقع الديمقراطية الآن
https://www.democracynow.org/2011/2/2/noam_chomsky_this_is_the_most
0 Comments:
Post a Comment
<< Home