سيزيف مصري

في الأسطورة الأغريقية، سيزيف في الجحيم وعقابه أن يرفع صخرة من القاع حتي قمة جبل شاهق، وقبل أن يصل بقليل تسقط منه لأسفل، فيعود ليبدأ من جديد، بلا نهاية. ما أشبه ذلك بنا، أولادك يا بلدي

Sunday, December 31, 2006

الهجوم علي فيلم دنيا






لاقي فيلم دنيا لمخرجته اللبنانية جوسلين صعب الكثير من الهجوم، حتي أن البعض دعا إلي عدم مشاهدته أو مقاطعته

والحقيقة، في رأيي، بعد مشاهدته هو أنه فيلم متوسط المستوي فنياً، إلا أنه تجربة تستحق الاحترام، فضلاً عن التقدير والدعم

يقترب الفيلم من مناطق محظورة (الحرية الجنسية، والكبت الجنسي، والختان، وحرية التعبير) ولهذا فهناك حساسية ما تجاهه من أي مشاهد له، ورغماً عنه. من الصعب أن أكون موضوعياً مع فيلم يعالج قضايا لديّ موقف ضدها أو معها، ومن هنا كانت خطورة الانزلاق في مساندته وتغافل أخطاؤه الفنية، أو التحيز ضده والتغافل عن جمالياته وأهمية موضوعاته

لهذا أدعو الكل إلي مشاهدته (شاهدته في سينما ريفولي، قرب الاسعاف/محطة مترو جمال عبدالناصر، ولا أعلم هل هو في صالات سينما أخري أم لا)

هذا موقع أنشأته المخرجه للفيلم:
http://www.dunia-lefilm.com

وهذه مقالة جيدة لأمنية طلعت عن الفيلم

الهجوم على فيلم دنيا
وعودة موسم تشويه سمعة مصر


لا أدري لماذا تذكرت فيلم ناجي العلي عندما تابعت الهجوم العنيف على فيلم (دنيا) للمخرجة اللبنانية جوسلين صعب وبطولة حنان ترك ومحمد منير، حيث أن الهجوم على هذا الفيلم لعب على نفس الوتر الحساس جدا، الذي يهيج الناس في الشوارع ويجعلك واقفا بلا حيلة ولا تستطيع استخدام أي منطق في النقاش...الوتر الحساس الذي يسمى (سمعة مصر) وكل من نخالفه في الرأي لا نجد وسيلة للقضاء عليه سوى باستخدام الجملة الشهيرة لكبار الصحفيين والنقاد الفطاحلة ألا وهي (تشويه سمعة مصر) هكذا قالوا عن فيلم ناجي العلي منذ أكثر من عشرة سنوات والآن نشاهد الفيلم على كل القنوات الفضائية ونستمتع به بل ونلتهب حماسا معه رافعين قبعاتنا لكل من ساهم في هذا الفيلم حتى ولو بمشهد واحد مثل الفنان محمود الجندي
أعتقد تماما أن فيلم دنيا يتعرض لنفس الحملة الشعواء التي لا هدف لها سوى الإبقاء على الظلامية وحالة التقدم للخلف التي تعيشها مصر منذ أكثر من عقدين وفي الحقيقة لا أدري لمصلحة من يحدث كل هذا؟ فالفيلم حتى ولو احتوى على بعض الهنات في السيناريو والإخراج فهو على الأقل فيلما محترما يظهر وسط سيل هادر من الأفلام السطحية والمشوهة التي تمعن في سفك دماء عقول شبابنا وتحويلهم لمجرد هوام لا نفع منها ولا رجاء.إننا مع هذا الفيلم نواجه قضية هامة جدا ألا وهي عمليات الختم على العقول التي تمارسها بعض التيارات في مصر والمنطقة العربية منذ أكثر من عقدين حتى استطاع أو قاب قوسين أو أدنى من القضاء على الدولة المدنية بكل مميزاتها التقدمية في الفكر والعلم والفن والأدب بل وفي حالة الوعي الجمعي للبسطاء من الناس في الشوارع، لنتحول تدريجيا إلى آلات ميكانيكية تسير وفقا لمعايير أخلاقية لا أول لها ولا آخر ولا علاقة للخالق بها من الأساس، فيكون علينا ذبح المتنبي وشهرزاد وابن الرومي وابن رشد وابن عربي في سبيل إحياء ثقافة الثعبان الأقرع التي لا نمر بدونها نحو الجنة
-
كنت أتمنى بالفعل أن أكتب مقالا نقديا عن فيلم يعد بحق إضافة للسينما المصرية والعربية بشكل عام ولكني وجدت أنني مضطرة لكتابة عريضة دفاع عن فيلم حق أرادوا به ومن خلاله كل باطل، فلقد تم اختزال الفيلم بواسطة عباقرة الوطنيين والمخلصين والمتشنجين من أجل الوطن إلى فيلم يعالج قضية الختان للإناث في مصر وأننا نشوه بذلك سمعة مصر..السؤال هنا وهل تشويه سمعة مصر يأتي بوضع عللها ومشاكلها على الطاولة لمناقشتها والبحث عن حلول لها؟ أم أن سمعة مصر( لمن يتباكى عليها) لم تتشوه إلا على أيدي جوسلين صعب من خلال فيلمها الجميل (دنيا) ؟
-
ألم تشاهدوا الفضائيات العربية والعالمية يا سادة وهي تغطي أحداث الإنتخابات البرلمانية مؤخرا؟ أكان مشهد الانتخابات في مصر إعلاء لسمعتها؟ ...هنا أسأل كبار الوطنيين الذين جعلوا من فيلم دنيا فيلما غير لائقا باسم مصر العظيم ...من يا سادة الذي شوه سمعة مصر.. فيلم دنيا أم المشهد الإعلامي العظيم الذي دار في كل أنحاء العالم للإنتخابات المصرية البرلمانية ؟...قد يقول قائل أنني أخلط الأوراق فهذا فيلم والآخر أحداث تغطى خبريا، لكني أؤكد له أنني واعية تماما لما أقول فلقد كانت الانتخابات أكبر فيلم خيالي صعب تصديقه عن مصر أم الدنيا وشعبها الذي يمتد تاريخه للآلاف السنين السابقة.لقد شاهدت هذا الفيلم مرتين وظللت طوال الفيلم أحاول العثور على ولو كلمة واحدة تسئ لمصر لكنني لم أجد، كل ما وجدته عدسة كاميرا مبهجة لمخرجة ماهرة تعي ما تفعله تماما، فلقد قدمت لنا جوسلين صعب زاوية بصرية جديدة لشوارع القاهرة التي نسير فيها منذ وعينا، قدمت جمالا لا يراه أيا منا في المناطق الشعبية والأزقة والبنايات العتيقة المتهالكة، حتى أنها عندما اختارت حجرة صغيرة لتكون سكن بطلة الفيلم اختارت حجرة لا أدري من أين عثرت عليها فلقد تمنيت طوال المشاهد التي تم تصويرها في تلك الحجرة أن تكون هي مسكني لأطل على عالم السينما المبهج من شباكها وأقفز عبر الإفريز لأصل إلى الباب لأخرج، وأن أدور راقصة مع تلك الأنغام الرومانسية التي تحيي الروح بين جدرانها، لقد شاهدت جوسلين القاهرة التي تئن ومع ذلك قدمتها تئن بعظمة وجلال.لم أدر كيف لم يفهم البعض قصة الفيلم وقال أنها مهلهلة غير مترابطة حتى أن بعضهم قال (كيف يمكن لفتاة صعيدية من الصعيد أن تحلم بأن تكون راقصة؟) وكأنه لم يدر أن تلك الفتاة الصعيدية ابنة لراقصة شهيرة وأن أبوها هو الصعيدي الذي أخذهاا من أمها بعد ما لاحقه أهله بعار الزواج من راقصة وعاد بها إلى بلدته لتربيها عمتها....كأنه لم يشاهد الفيلم ولم يسمع الحوار الذي دار بين دنيا وعمتها عندما ذهبت إلى الأقصر بعد استدعائها لعرضها على أحد العرسان هناك...
-
.فوجئت أيضا بأحد الكتاب المبجلين يقول أن رقصات حنان ترك كانت كثيرة وأنها أخذت تدور حول نفسها طوال الفيلم حتى شعر بالدوار، في الحقيقة لم أستطع منع ضحكي وشفقتي على هذا الكاتب الذي وصلت درجة انغلاق عقله أنه ما عاد يستطيع تذوق الموسيقى وانسجام الجسد معها، بالطبع الحق معه فهو ابن لثقافة تحريم الرقص وتجريم الراقصات وفضحهن على صفحات الجرائد والتعامل معهن على أنهن ساقطات، هو نتاج للقضايا التي يتم مناقشتها تحت قبة البرلمان المبجل الذي يترك أعضاؤه قضايا الفقر والبطالة وفساد الذمم وتهريب أموال مصر للخارج ...إلخ ليناقشوا منع ظهور الرقص الشرقي على شاشة التليفزيون ومنع عرض كليبات روبي ونانسي عجرم هيفاء وهبي وإليسا ....للأسف هذه هي الثقافة المسيطرة الآن وهي نفسها التي تقف عائقا أمام أي إبداع حقيقي يحاول أن يرقى بالعقول وينبهها إلى مشاكلها وحاجاتها المسلوبة وقيمها الضائعة
-
فوجئت أيضا بمن يترك الفيلم كله ويركز على الإحصائية التي قدمتها المخرجة في آخر الفيلم والتي تقول فيها أن نسبة الختان في مصر هي 97% وبرغم أن المخرجة أكدت أن هذه النسبة حصلت عليها من المجلس القومي للمرأة إلا أنهم يصرون على أنها نسبة خاطئة حتى أن إحدى المذيعات المصريات في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد عرض الفيلم في مهرجان دبي السينمائي الثاني، تقول أن النسبة الحقيقية هي 48% وأن لديها أوراقا رسمية بذلك ولكنها لم تقدم لنا هذه الأوراق واكتفت بالهجوم على المخرجة التي لم تجد وسيلة للرد على هذه المذيعة سوى أن تنظر لها بحزن شديد، لأنها وكما قالت لي بعد ذلك كانت تتخيل أن المرأة نصيرة لنفسها لكنها فوجئت بالعكس، فلكم أن تتخيلوا يا سادة أن مذيعة مصرية أخرى هاجمت الفيلم لأن الترجمة تبدأ في النصف الأول من الفيلم بالإنجليزية لتتحول بعد ذلك إلى الفرنسية، وأخذت تتحدث عن اكتشافها العظيم وكأنه أكبر سقوط للفيلم.لم يكن الهجوم على فيلم دنيا محبطا للمخرجة والأبطال فقط بل كان محبطا لي أيضا لأنني لم أر سوى طريق صحراوي طويل بيننا وبين التقدم والتطور، لم أر سوى طريق ممتلئ بالأشواك أمام انتفاضنا على القهر والجهل والتخلف...
-
كان الهجوم على الفيلم _وأنا هنا لا أقول أنه أعظم الأفلام على الإطلاق – دليل قوي على أننا لن ننهض من كبوتنا هذه في القريب المرئي وربما لن يشهد تلك النهضة حتى أبناءنا فأبسط قوانين التحضر ألا وهي النقاش العقلاني والمنطقى لكل أمور حياتنا، غير متوفرة على الإطلاق فنحن لا نسمع بعضنا البعض ولا ننظر لمن يختلف معنا في الرأي سوى على أنه خائن ومتآمر وعدو .قال البعض أيضا أن الفيلم يحتوي على مشاهد جنسية مخلة، وفي الحقيقة لا أجد سوى أن أقول لهم فوقوا من كبتكم الجنسي وابحثوا عن حل له، فأين هذه المشاهد الجنسية المخلة؟ لقد قدمت جوسلين صعب رؤية إخراجية ذات رومانسية وجلال في المشاهد العاطفية التي يحتوي عليها الفيلم، لدرجة أنني وجدتها تضع حلا للنزاع بين مؤيدي السينما التي يسمونها (نظيفة!!!) وتلك السينما الأخرى الطبيعية التي نعرفها منذ النصف الأول من القرن العشرين، فجوسلين قدمت حلا وسطا حيث تقدم لنا مشاهدا عاطفية وفي نفس الوقت بلا تلامس حقيقي يثير أعصاب المتشددين وبالتالي لا تخل بالمعنى الدرامي للفيلم كما يحدث في الأفلام الحديثة التي تعلن من خلالها النجمات (لا للقبلات ولا للمشاهد العاطفية) لتخرج لنا الأفلام برقابة ذاتية تبتر الخط الدرامي لأي مشهد
-
إن فيلم دنيا ما هو إلا صرخة جرئية من مخرجة وأبطال طليعيين في وقت صعب يلاحق فيه المبدع ويتهم بالإباحية وتصادر الكتب وترفض الأفلام وكل أشكال الفنون بدعاوي أخلاقية لا تريد في أصلها سوى إفساد العقول والتهميش والتعمية عن واقع مهين يعيشه المصري كل يوم في منزله وفي شارعه وحتى في وسائل المواصلات التي يستخدمها، لقد كان صرخة ضد ختان العقول الذي يمارسه الأخلاقيون الجدد الذين طردوا المفكرين بدعاوي الحسبة وهاجموا المبدعين بدعوى الإباحية وحولوا الشباب لمجرد ماكينات شعائر لا ترى سوى البعد المادي للحياة ولا تحمل في جوانبها أي خيال يحملها نحو آفاق المستقبل ...إن قضية دنيا ليست قضية نسبة خاطئة للختان في مصر وليست قضية مشاهد إباحية وليست قضية سيناريو مهلهل وليست قضية تشويه لسمعة مصر وإنما هي قضية الإصرار على الثبات في البقعة المظلمة ورفض أي شعاع نور يضئ ولو خيط رفيع يأخذنا للأمام.

1 Comments:

  • At 10:14 AM, Blogger so7ab said…

    احد اكبر ازماتنا فى التعامل مع السينما هى فكره الثنائيات اى انامع القفيلم او ضده مع عدم عرض الفيلم ولا مع عرضه

    ازمه الثنائيات ديه انها لا تسمح بالحكم على الفيلم بشكل سليم يعنى من الممكن التغاضى عن العيوب الفنيه الكثيره من وجهه نظرى فى فيلم دنيا تحت عنوان انك مع حريه الفن واىانتقاد للمستوى الفنى لفيلم سيعتبر انتقاد لحريه السينما رعغم عدم وجود اى علاقه بين الاثين

    الفيلم يملك صوره مذهله ومسيقى خلابه لكنه فى نفس الوقت يملك ازمات فى السينايو ليس لها حصر و ازمات فى بناء الشخصيات وعلاقتهم ببعض
    انا لازلت لااتكلم عن قواعد لبناء الاحداث او الشخصيات لكنها يجب ان تكون مبنيه باى شكل ولكنى لم اشعر باى بناء درامى

     

Post a Comment

<< Home