سيزيف مصري

في الأسطورة الأغريقية، سيزيف في الجحيم وعقابه أن يرفع صخرة من القاع حتي قمة جبل شاهق، وقبل أن يصل بقليل تسقط منه لأسفل، فيعود ليبدأ من جديد، بلا نهاية. ما أشبه ذلك بنا، أولادك يا بلدي

Tuesday, August 08, 2006

المجد للفن والالتزام لمستقلين



أربعون عاماً قضائها أبناء إسرائيل
في التيه متخبطين معاقبين، مخذولين، تائهين، فما نعموا بلذة الهداية، وما ظفروا بعناد الخطاة، فلا أراحوا ولا استراحوا.. مضت الحادثة وبقت الذكرى، ليستلهم منها من يستلهم، وليستعبر بها من يعتبر، و تتداعى تلك الذكرى إلي مخيلة من يتأمل في أحوال مثقفونا العرب وعلاقاتهم الإشكالية بواقعهم المرير.
فإن مثلت علاقة المثقف بالسلطة كواحدة من أكثر المشكلات إثارة للجدل في تاريخنا الثقافي الحديث، ليتسع مدى الخلاف حولها للحد الذي يرى للمثقف دور وفاعلية تصل لحد التغيير السياسي المباشر، ويرى البعض كونه فعل تقزم للحد الذي صار لا يغادر نخب تعرف بعضها البعض وفي سبيلها للانقراض.

وأمام عدم تلبية الدور الثقافي المنوط به تزعزعت مركزيات ثقافية حكومية فشلت لعقود في تقديم إجابة مرضية لأسئلة بديهية من قبيل هل الثقافة سعلة أم خدمة؟!، أو من هو المثقف؟! وما هي طبيعة دوره المفترض؟! هل الثقافة التي ترعاها الدولة هي فقط الثقافة التي تعبر عن توجهات الحكومة؟! وإلي أخر هذه الأسئلة الجوهرية التي تم القفز عليها أحياناً، ومراوغتها أحياناً، وتجاهلها كثيراً.
واحدة في أكثر النسق الفكرية تماسكاً ما يطرحه المفكر د.صلاح قنصوة الذي أكد أن المثقف دور وليس صفة، أي أنه على عكس الشائع لا يرتبط بحجم المعرفة التي يحوزها فرد، بل هو دور ما إن يكف المنوط به عن القيام به، حتى لا يكون مثقفاً، هذا الدور يرتبط بتمثل قيم صاعدة وتقدمية والدفاع عنها في مواجهة سلطة قائمة راسخة تحول دون انتشار هذا الفكر، ولكي يتوفر لهذا الدور إمكانية الوجود من عدمه يجب أن يكون هناك تداول ولو محتمل للسلطة، بمعنى أن يمكن المراهنة على القادم في مواجهة القائم. وأن يكون هناك برنامج لهذا القائم وذاك القادم، ويكون دور المثقف مسألة البرنامج النقيض. بهذا لا يمكن أن ينال لقب مثقف من يعمل داخل الكيان المؤسسي الرسمي القائم، إي ألا يكون رزقه معتمد على تلك المؤسسة التي يسعى لهدمها لأن ذلك بديهياً يتنافى مع بديهيات المنطق. بهذا المعنى لا يطلق لقب مثقف على موظف حكومي مثلاً.
وأمام هذا الجزع من تدجين المثقف كانت محاولات التملص من الكيان المؤسسي الرسمي الحكومي الذي يفقد المثقف -دوره فحسب- أي ماهيته. و الدليل على رجحان هذا التصور إننا لا نكاد نظفر من الحكوميين بمواقف مناوئة للثقافة الرسمية إلا ويتراجعون عنها في ذات اللحظة. وما حادثة جحيم بني سويف عنا ببعيد.

و صارت لفظة (مستقل) أملاً لدى البعض في وجود فاعلية ثقافية وفنية حقيقية، وقادرة على الجدل مع جمهورها، صدق هذا على المؤسسات الثقافية غير الحكومية، وكذا على تيار السينما المستقلة، والفرق الغنائية والاستعراضية المستقلة، والمجموعات الأدبية المستقلة، وكذا تيار المسرح المستقل، الذي لنا معه هذه الوقفة.
رغم ما شاب استقلال هذا التيار دائماً بسبب تلقى دعم من الدولة مرة، ومن جهات أجنبية مرة، كانت الصيغة التي حارب من أجلها الراحل المناضل الكاتب والناقد حازم شحاته

فرق حرة + دعم من الدولة

و كم أكد حازم على التفريق بين مفهوم الدولة والحكومة، وقال أن الدولة مطالبة برعاية ودعم مواطنيها كافة، وليس موظفيها فحسب، وبالتالي لا يمكن أن يقتصر دعمها المسرحي على العاملين بالبيت الفني للمسرح، وهذه صيغة لم تستنكرها الدولة بل على العكس، أكدها الوزير في المؤتمر الصحفي للمهرجان التجريبي السادس عشر قائلاً أن وزير الإسكان غير مطالب بتسكين موظفي الوزارة فقط وأنا بالمثل لست وزير مسرح الدولة، وكان معنى هذا التزام ما، يقدم تجاه الفرق المستقلة، وقتها قلنا أن دور الفرق أن تلزم الوزير بما ألزم به نفسه.
غير أن اعتبار الفرق المستقلة جزء من الدولة هو أمر يصدق فقط على الواجبات لا على الحقوق، نفس ما قامت به الدولة تجاه أحزاب المعارضة دائماً، فهم جزء من السلطة وعليهم مواجهة ما تواجهه البلاد من ملمات ولنا في ذلك عبرة مما حدث وقت إرهاب التسعينات، وشهر العسل ما بين الدولة والمثقف في مواجهة التيارات الظلامية كما سميت وقتها، ثم ما إن تأتي لحظة الاستحقاقات، حتى تضعف الذاكرة و يعود الوضع كما كنت.
و يمرض هذا الأداء الكائن المبشر -الذي كان يمكن المراهنة عليه- فيتعلم تلك الحيل، ويراهن هو الأخر على مكتسبات سريعة، وجنة دانية القطوف، ثم يأتي فيتساءل ما الذي غير لقبة من (مثقف) إلي (انتهازي)؟! وتلك لعمري إجابة لن يملك الحصول عليها إلا من نفسه، وسماحه لتلك النفس المعطوبة باللعب عليه بالطمع فيما تمنيه به مؤسسة يعي جيداً أنه لا يدخل حساباتها إلا إلي حين.
تم تأجيل المهرجان المستقل قبل ساعة من افتتاحه والذي كان من المزمع أن يتم في التاسعة من مساء الأول من أغسطس 2006، وجاءت البشري أن التأجيل تم بناء على قرار الوزير بوقف النشاطات الفنية تيمناً بما حدث من تونس الشقيق في مهرجانها وذلك تضامناً مع لبنان وفلسطين، ثم جاء بيان منظمي المهرجان ليؤكد أن هذا "التزما بالموقف الرسمي لوزارة الثقافة المصرية ومركز الهناجر للفنون والموقف الشعبي لكل فناني مصر قررت إدارة مهرجان المسرح المستقل في (دورته الخامسة 2006 )تأجيل فاعليات المهرجان لمدة أسبوعين آملين في دفع كل الجهود المحلية والدولية لوقف حرب الإبادة الدائرة ضد الشعب العربي في لبنان وفلسطين"
و هنا تتضافر كمية من الأسئلة المشروعة والمشرعة معاً،
لماذا تم اتخاذ هذا الموقف في اللحظات الأخيرة؟! أي ما الدافع العاجل الذي أدي لحدوث هذا قبل ساعات بالرغم من أن ما يجري في لبنان، ناهيك مما يجري في فلسطين لم نصحوا فنفاجأ به صباح 1 أغسطس؟!
لماذا لم يحدث هذا لموقف مع المهرجان القومي للمسرح المصري الأول والذي أختتم فاعليته بعد بدء العمليات بأيام؟! أم أن مصر بمسئوليها الرواد كانت بحاجة لتأخذ الدرس من تونس حين لغي مهرجانها وعاد فنانينا من المطار؟!
إذا كانت وزارة الثقافة أحد داعمي المهرجان المستقل فلها أن تنسحب من المهرجان ولكن هل يعطيها هذا الحق في توجيهه المهرجان ذاته وأخذ قرارات بالنيابة عن إدارته؟! ثم يأتي بيان الإدارة ليس إلا تمريراً لهذا الموقف المتعالي؟!
ثم ما معني إلغاء المهرجان على سبيل ا لتضامن والحداد هل ينتخب المستقلون نفس نظرة الدولة للفن والتي لا تراه فعل لائق في ظل وجود كارثة قومية؟
!

هل الفن هو هذا الفعل الترفيهي الاحتفالي الملهاوي؟! وفي حالة تبني الدولة لمثل هذا الموقف للفن، هل يقبل المستقلون أن يظلوا العالمة التي لا يؤخذ بشهادتها في المحاكم والتي ينبغي عليها أن تختشي وتحتشم فلا وقت للتهريج الآن؟!
أن الحقيقة التي يعلمها -حتى المتغافلون عنها- إن المنطقة الملتهبة بين السياسي والفني تتقدم لحظة تجاه فعل حقيقي وتتراجع لحظات، لكنها تخصب تجربتها ولا ترتد لوراء،
لقد جاءت لحظة لبنان لتكون حاشدة وكاسرة و أثرة، لكن الذين يخشون التجمعات الآن من أي نوع، هم وهم فقط المستفيدون من تأجيل المهرجان، عفوا ليسوا هم المستفيدون فحسب، بل أن الملتزمين وهم يمنون أنفسهم بفائدة لن تلقيها الحداية ولو بعد حين..
يصعب على أن أختتم كلماتي ومازال وهج التشجيع لأول مباريات الدوري العام في كرة القدم المصري مدوياً، ومخرجاًَ لسانه لمن خنع فباع مصداقيته بثمن بخس وكان في فنه من الزاهدين..،
وفي مثل هذا وهؤلاء قيل (ضعف الطالب والمطلوب)..
ياسر علام