سيزيف مصري

في الأسطورة الأغريقية، سيزيف في الجحيم وعقابه أن يرفع صخرة من القاع حتي قمة جبل شاهق، وقبل أن يصل بقليل تسقط منه لأسفل، فيعود ليبدأ من جديد، بلا نهاية. ما أشبه ذلك بنا، أولادك يا بلدي

Tuesday, February 15, 2011

مقال روبرت فيسك في الإندبندنت: هل يحكم الجيش من قبضته على مصر؟


روبرت فيسك: هل يحكم الجيش من قبضته على مصر؟

الاثنينن 14 فبراير 2011

بعد يومين من نجاح ثورة ملايين المصريين ضد نظام حسني مبارك، عزز الجيش – بقيادة المشير محمد طنطاوي، صديق عمر مبارك – من سيطرته على مصر أمس، بقراره حل مجلس الشعب وتعطيل الدستور. وبينما كانوا يفعلون هذا، كان رئيس الوزراء الذي عيّنه مبارك، الجنرال السابق أحمد شفيق، يخبر المصريين أن أولى أولويّاته هي "السلام والأمن" ومنع "الفوضى والاضطرابات" – الشعار نفسه الذي طالما ردده الرئيس السابق، غير المحبوب. هل من يوم لا "تعود فيه ريما"؟

في استماتتهم لاحترام وعد "المجلس العسكري" بعودة الحياة في القاهرة كما كانت، ظهرت مجموعات من مئات المصريين – الكثير منهم عزّل – في ميدان التحرير لحث المتظاهرين الباقين على مغادرة المعسكر الذي شغلوه لعشرين يوما. في البداية رحّب بهم الحشد كأصدقاء وقدّم لهم الطعام والماء. ظهرت الشرطة العسكرية بالبيريه الأحمر، مرة أخرى بدون أسلحة، لتنظيم المرور. ولكن عندئذ بدأ ضابط شاب في ضرب المتظاهرين بـ "خيزران" – ما أصعب أن يغيّر الرجال الذين يرتدون زيّا رسميّا من عاداتهم – وللحظة، كان هناك إعادة مصغّرة للغضب العارم الذي حل بشرطة أمن الدولة هنا يوم 28 يناير.

عكس هذا قلقا متزايدا بين هؤلاء الذين أطاحوا بمبارك بأن ثمار نصرهم ربما يلتهمها جيش يتكون في الأساس من جنرالات وصلوا لسلطتهم وامتيازاتهم في عهد مبارك نفسه. لا أحد يعترض على حل مجلس الشعب، لأن انتخابات مبارك لمجلس الشعب في العام الماضي – وكل الأعوام الأخرى – كانت مزورة، وعلى نحو شديد الشفافية. ولكن "المجلس العسكري" لم يعطي أي إشارة لتاريخ الانتخابات الحرة والنزيهة التي اعتقد المصريون أنهم وُعِدوا بها.

تعطيل الدستور – الوثيقة التي اعتبرها ملايين المتظاهرين، على أي حال، بمثابة جواز مرور للديكتاتورية الرئاسية – قابله أغلب المصريين باللامبالاة. وأعلن الجيش، بعد تلقيه ثناء مبالغ فيه من إسرائيل على وعده باحترام معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية، أنه سيتولى السلطة فقط لستة أشهر؛ لا كلمة أخرى، رغم هذا، عما إذا ما كان يمكنهم تجديد حكمهم العسكري بعد هذا التاريخ.

ولكن بدأ يظهر تباعد واضح بين مطالب الشباب والشابات الذين أسقطوا نظام مبارك والتنازلات – إذا كانت تنازلات – التي يبدو أن الجيش على استعداد لأن يمنحها لهم. مظاهرة صغيرة على جانب ميدان التحرير أمس كانت ترفع مجموعة من المطالب تضمّنت وقف العمل بقانون الطوارئ، قانون مبارك القديم، وحرية المعتقلين السياسيين. وعد الجيش بإلغاء تشريع الطوارئ "عند الفرصة المناسبة" ولكن طالما لا يزال قائما، فهو يعطي الجيش نفس الصلاحية التي امتلكها مبارك في منع كل الاحتجاجات والمظاهرات؛ وهذا أحد أسباب المعارك الصغيرة التي حدثت بين الجيش والناس الذين كانوا في الميدان أمس.

بالنسبة لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ظل الجيش صامتا على نحو يثير الارتياب. هل هذا لأن هناك سجناء يعلمون الكثير عن تورط الجيش مع النظام السابق؟ أو لأن السجناء الهاربين وغيرهم ممن أفرج عنهم حديثا قد عادوا إلى القاهرة والإسكندرية من معسكرات في الصحراء بقصص رهيبة عن وقائع تعذيب وإعدام تمت على أيدي – كما يقولون – عسكريين؟ أمس، أكّد ضابط بالجيش المصري معروف لصحيفة "الإندبندنت" أن سجون الصحراء تديرها وحدات بالمخابرات العسكرية تعمل لصالح وزارة الداخلية – ليس وزارة الدفاع.

بالنسبة للقيادات العليا لشرطة أمن الدولة التي أعطت الأوامر لرجالها – وبلطجيّتها المخلصين ذوي الملابس المدنية – بمهاجمة المتظاهرون على نحو سلمي أثناء الأسبوع الأول للثورة، فيبدو أنهم قد لجئوا للهروب المعتاد إلى الحرية في دول الخليج العربي. وفقًا لضابط في قسم التحقيقات الجنائية بشرطة القاهرة، تحدثت إليه أمس، فكل الضباط المسئولين عن العنف، الذي خلّف وراءه ما يتجاوز بكثير 300 قتيلا مصريا، قد غادروا مصر مع عائلاتهم لإمارة أبو ظبي. أما المجرمون الذين استأجرتهم الشرطة لضرب المتظاهرين فقد اختفوا تحت الأرض – من يعلم متى ستكون هناك حاجة أخرى لخدماتهم؟ - بينما ضباط الشرطة الأقل رتبة ينتظرون أن تأخذ العدالة مجراها ضدهم. هذا، إذا أخذت أي مجرى.

يعتمد كل هذا، بالطبع، على حجم السّجلات التي سيتركها النظام خلفه، وإلى أي مدى ستكون السلطات، التي هي الآن الجيش، مستعدة لأن تجعل هذه الأوراق متاحة لنظام قضائي جديد، قد تم إصلاحه. بالنسبة لرجال شرطة القاهرة، الذين اختبئوا في أقسامهم قبل أن يتم إحراقها في الثامن والعشرين من يناير، فلقد ظهروا أمس عند وزارة الداخلية بالقاهرة، للمطالبة بتحسين الأجور. أن يصبح رجال الشرطة أنفسهم الآن متظاهرين – سينالون بالفعل زيادة في الأجور – كانت من أكثر اللحظات الخالدة لمصر ما بعد الثورة.

الآن، بالطبع، يأتي دور مصر في مشاهدة آثار ثورتها على جيرانها. لا تكاد توجد عائلة في مصر لم تكن تعلم أمس باليوم الثالث من المظاهرات ضد الرئيس في اليمن وما صاحبها من عنف من جانب الشرطة. ومن اللافت للنظر أنه مثلما يقلّد المتظاهرون العرب نظرائهم الناجحين في مصر، فإن أجهزة أمن الدولة في كل الأنظمة العربية تتبع بإخلاص التكتيكات الفاشلة لبلطجية مبارك.

تبيّن للمصريين شيء آخر يدعو للسخرية. هؤلاء الديكتاتوريون العرب الذي يزعمون أنهم يمثّلون شعوبهم – تأتي على البال الجزائر، وليبيا، والمغرب – أخفقوا، على نحو شديد الوضوح، في تمثيل شعوبهم، عندما لم يهنئون مصر على ثورتها الديمقراطية الناجحة. لا حاجة للقول أنهم إذا فعلوا هذا، فسيكون بمثابة قطع قوائم عروشهم.

هذه ترجمتي لمقال روبرت فيسك المنشور أمس في جريدة الإندبندنت

http://www.independent.co.uk/news/world/africa/is-the-army-tightening-its-grip-on-egypt-2213849.html

0 Comments:

Post a Comment

<< Home