سيزيف مصري

في الأسطورة الأغريقية، سيزيف في الجحيم وعقابه أن يرفع صخرة من القاع حتي قمة جبل شاهق، وقبل أن يصل بقليل تسقط منه لأسفل، فيعود ليبدأ من جديد، بلا نهاية. ما أشبه ذلك بنا، أولادك يا بلدي

Monday, February 21, 2011

رفض الصاوي وزيرا للثقافة أم إقالة حكومة شفيق: في رحاب أزمة الفن المستقل


رفض الصاوي وزيرا للثقافة أم إقالة حكومة شفيق: في رحاب أزمة الفن المستقل

ما هي الأماكن "الثقافية" في القاهرة التي يمكن لفرقة فنية مستقلة، مسرحية أو موسيقية، أن تقيم عرضا بها، بينما تفتح هذه الفرقة أو الفنان شباك تذاكر؟

في رأيي أن الحديث عن مهندس محمد الصاوي ومشروعه "الثقافي"، ساقية الصاوي، وترشيحه وزيرا للثقافة، يرتبط بهذا السؤال.

عندما نتحدث عن مشاكل الفنانين والفرق الفنية المستقلة في مصر – ونتناول القاهرة نموذجا – يقفز إلى الذهن هذا السؤال (بافتراض وجود المُنتَج، أي العرض أو الفقرات الموسيقية، جاهزا، أي أننا سنتجاوز مشاكل الإنتاج من أماكن للبروفات والتدريب، والعناصر الفنية الجيدة، الخ):

أين سنعرض؟ كيف نغطي مصاريف العرض؟

بالنسبة لي، فإن طموحي كموسيقي يتجسد في الاحترافية. وأرى الاحترافية ذات وجهين، ثانيهما هو الإتقان والبراعة المهنية، وأولهما هو كسب الرزق من المهنة. ببساطة، أن يتوفر لي مكان عرض ودعاية مناسبين، وإذا كان ما أقدمه جيد بما يكفي ليجد جمهورا يهتم به ويسعي خلفه، أمكنني أن أواصل مشروعي بما يدره على شباك التذاكر. عندئذ قد لا أحتاج إلى أن أعمل في مهنة مختلفة تماما لدعم مشروعي ماديا – كما يفعل أغلب الفنانين المستقلين.

مكان واحد فحسب بالقاهرة يمكنك أن تقدم به عرضك الفني بجانب شباك تذاكر: ساقية الصاوي. ولكن ماذا عن ساحة روابط للفنون بوسط البلد؟ بالنسبة لهذه الساحة، فكانت مبادرة من تاون هاوس جاليري ونشطاء وفنانين آخرين بتحويل جراج بوسط البلد إلى ساحة عرض. ورغم أنه على ما أعلم لا يوجد ترخيص يسمح بفتح شباك تذاكر علانية في روابط، إلا أنه ربما يمكن القيام بهذا بشكل غير مباشر، مثلا، عن طريق البيع الجبري لكروت تذكارية – ذات قيمة فنية أو لا، لا يهم – أمام باب الدخول.

نعود لموضوع تعيين رجل الأعمال والمهندس محمد الصاوي وزيرا للثقافة، والذي يتقاطع هنا مع ما ذكرته. هناك رأيان يتعارضان في الظاهر، فحواهما: (1) يجب إعلان رأينا بأن محمد الصاوي لا يصلح لهذا المنصب وطلب هذا من الوزارة أو الضغط عليها لأجل تنفيذه، (2) يجب المطالبة بإقالة وزارة شفيق التي رشحت الصاوي لأنها ستأتي بغيره، والتركيز على فشل آلية اختيارهم لوزير الثقافة. التعارض واضح: هل نتفاوض مع الحكومة ونضغط عليها بما يعنيه من قبولنا لها، أم نرفض التفاوض معها لأنها مرفوضة وبالتالي بلا شرعية تفاوضية بالنسبة لنا.

مسرح روابط، الذي ذكرت الدعوة التي جاءتني وغيري، لاجتماع دعا له الموسيقى الكبير فتحي سلامة والكثير من الموسيقيين والفنانين لمناقشة الموقف بعد خبر تعيين محمد الصاوي وزيرا للثقافة ولبحث كيفية إعلاننا احتجاجنا عليه، أنه مكان الاجتماع، كان مغلقا. ما أعلنته إدارة روابط هو أن الاجتماع الذي طُلب منهم استضافته كان لمناقشة أحوال ومشاكل الموسيقيين، ثم تغير الموضوع اليوم إلى الاحتجاج على الصاوي وزيرا، في استجابة طارئة لإعلان الحكومة هذا أمس. ورفضت إدارة روابط استضافة الاجتماع إذا كان موضوعه هو الاحتجاج، لأن ساحة روابط "مركز ثقافي".

هذا المنطق لن يختلف أحد عليه: من حق الصاوي فرض الشروط والسياسيات التي يراها ملائمة، ويؤمن بها، من حقه فرضها على مركزه الثقافي الخاص. ومن يقتنع بهذه الشروط، الأخلاقية والرقابية والمادية الخ، فأهلا وسهلا، وإلا فليذهب لمكان آخر، وله كامل الاحترام. كذلك الحال بالنسبة لساحة روابط، فمثلا، من يختلف مع فكرة أن الاحتجاج ليس له علاقة بالثقافة، أو مع فكرة أن الاحتجاج ليس أحد وسائل التعبير المشروعة، عليه أن يحتج في مكان آخر، وله كامل الاحترام كذلك. هكذا فعلنا اليوم.

ولكن الأزمة هنا هي، أين نذهب؟ أين هذا المكان الآخر؟

لهذا يستمر الكثير من الفنانين المستقلين الواعدين في العرض في الساقية رغم ما يشاع عنها من مشاكل يعرفها أغلب من يعرضون هناك، منها، على سبيل المثال، رقابة رجعية محافظة على الأعمال الفنية، عدم دقة حسابات شباك التذاكر، لجان مشاهدة ضعيفة فنيا، تمييز في اختيار العروض ونسبة ما يقتسم مع الساقية من ربح من التذاكر والدعاية وقاعات ومواعيد العروض.

ساقية الصاوي تحتكر خدمات العروض الثقافية التي تتضمن فتح شباك تذاكر. وبينما هي مركز "خاص"، لا توجد مراكز "خاصة" أخرى. لماذا؟

ربما لأنه لا يوجد في مصر مثقف وفي نفس الوقت رجل أعمال غير الصاوي؟ يحتاج هذا السؤال للتأمل.

لا بديل عن مراكز ثقافية جديدة تقدم خدمة محترمة وتتلافي كل المشاكل التي من هذا النوع. عندما نجد مركزا ثقافيا يوفر لنا دعما حقيقيا ودعائيا ولا يهدف للربح وبلا فساد داخلي، وبلا رقابة أخلاقية أو سياسية على أعمالنا، وذو معايير اختيار فنية معلنة وواضحة سنذهب كلنا إليه، وعندها ستضطر كل المراكز الأخرى للغلق إذا لم يأتي لها أحد، أو، على الأقل، ستنكشف بوصفها مراكز "ثقافية". وكما أثبتت التجربة في خدمات الهاتف المحمول في مصر بما لا يدع مجالا للشك: الاحتكار يضعف كثيرا من موقف العملاء، والتنافسية بين أكثر من مقدم لأي خدمة دائما في صالح العملاء.

ولكن ماذا عن موضوع تركنا للحديث عن الرجل ومشروعه والتركيز على إقالة الحكومة التي عين مبارك رئيس وزراءها، لإنقاذه بالطبع وليس إنقاذ الدولة ولا المصريين الذين سالت دماءهم ليتنحى؟

أرى وحشين هائلين أمام هذه الثورة، قامت ضدهما، وما زالا أمامها حتى الآن. الفساد والقتل. محاكم الثورة في الأساس للفاسدين اللصوص وللمجرمين قتلة المتظاهرين سلميا أو محترفي التعذيب. ولكن عندما نتكلم عن الثقافة يجنح بنا الحديث قليلا. فعلى مستوٍ آخر، رغم وجود الفساد والقتل أيضا في الوزارة – قضية أيمن عبد المنعم وقضية محرقة بني سويف مثالين، إلا أن هناك وحشان آخران على مستوٍ فوقي. الزيف والجهل. لهذا فإن للمثقفين والفنانين، في رأيي، دور مضاعف في معارك الثورة، التي تبدو الآن وكأنها لا تنتهي.

لهذا لا أرى تعارضا بين الأمرين، تناول ملف الصاوي والساقية، والمطالبة بإقالة حكومة شفيق. فالثورة ليست معركة واحدة. وكل فرصة في أي موقع ثقافي تتعلق، فضلا عن الفساد والقتل، بالزيف أو الجهل علينا ألا ننحيها جانبا، لأن الثورة قامت ضد كل هذا، ولم تنتهي بعد.

ربما تقال الحكومة ولا يعين الصاوي، وربما يعين ثم يستقيل أو يقال. ولكن ربما لن ينتهي الأمر عند هذا. أعنى، عودة ثانية، وثالثة. لهذا، فالكلام عن ساقية الصاوي كمركز ثقافي وجمع الشهادات الحية من كل الفنانين والعارضين والعاملين الذين كانت لديهم تجارب وخبرات مع هذا المكان لهو أمر شديد الأهمية.

هل يمكن أن نحلم بعروض في الشارع وفي المترو والحدائق، وبمسارح نملكها ونديرها ويحق لنا أن نفتح فيها شباك تذاكر، وبدولة تتحمل مسئولياتها نحو الفنانين المستقلين، وبجمهور يساعدنا في حرب الزيف والجهل كما نساعده فتكون ثورة على "الجمهور عايز كده"؟

دعونا نستكمل هذه المعركة، ونستعد لتالية ربما أكبر.

ثورة ثورة حتى النصر، ثورة في كل شوارع مصر.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home