سيزيف مصري

في الأسطورة الأغريقية، سيزيف في الجحيم وعقابه أن يرفع صخرة من القاع حتي قمة جبل شاهق، وقبل أن يصل بقليل تسقط منه لأسفل، فيعود ليبدأ من جديد، بلا نهاية. ما أشبه ذلك بنا، أولادك يا بلدي

Monday, September 10, 2007

الجريمة الكاملة

الجريمة الكاملة

أعني حريق مسرح قصر ثقافة بني سويف في 5 سبتمبر 2005، والذي مر عليه الآن أكثر من عامين

1

"نعمل له إيه، البيه مولع لي شمعة!"

ه"المقولة اللي لازم نركز عليها هو إن الخطأ المهني وارد في أي عمل، بس سوء تعامل أجهزة الدولة مع الخطأ هو اللي حول مجرد خطأ إلي كارثة"

ه"
وصلت سيارة الاطفاء الثانية وهى فى الواقع السيارة المجهزة الأولى التى وصلت إلينا وقتها وبدأت في الاطفاء بشكل محدود لكونها سيارة واحدة وكنا نستمع لأصوات زملاءنا المستغيثون من الداخل حتي انتهت استغاثتهم باحتراقهم الكامل قبل ان تصل لهم سيارة الاسعاف الاولى والوحيدة بينما كان المصابون في حالة خطيرة على رصيف المسرح"

"نطالب بمحاكمة وزير الثقافة ووزير الصحة ووزير الداخلية ومحافظ بني سويف، ولقب شهداء للراحلين "

ه"محرقة بني سويف في الخامس من سبتمبر 2005، المسرحيون المستقلون، الثقافة الجماهيرية، عزاء مسجد الحامدية الشاذلية، جماعة خمسة سبتمبر، حفلات التأبين، الوقفات الاحتجاجية، استقالة وزير الثقافة ورفضها، انحسار المد العاطفي، تأرجحك بين الأمل واليأس في جدوي ما تفعله، ممارسة الناس للحياة من جديد، الانتخابات، الإخوان، جماعة 5 سبتمبر مرة أخري، ثم استغنائهم عن خدماتك"


ه" كان قاسيا أن تودع محسن مصلحي، كان بشعا أن تودع صالح سعد، مستفزا أن تودع حسن عبده.. كان قاتلا أن تودع حازم شحاتة، وكان وداعهم معا أمر لا يطاق، ثم أن يرحلوا معا وبتلك الطريقة أمر لا هو يطاق، ولا يستوعب، ولا يصدق"

ه"كان وزير ُ المسرح......يوسوس
أن لا أحد سيبقي فوق الأرض
سوي منشئها أو باريها
كان يوسوس
أن المحروقين
ضحايا ما ارتكبوا من الأخطاء
فلا تعترضوا القدر
اصطفوا خلف قضاء الله
اصطفوا خلف الموت وخلف الآه وخلف الباه
أطيعوا ما تخشون من الأرزاء
النار أحاطت إبراهيمَ
ولم تمسسه بضرٍ
وأحاطت قتلاكم
بادوا مثل الورق الناشف "


"لم يصدر أي بيان رسمي عن الحادثة حتي الآن، لا بتقديم العزاء لأسر الضحايا، ولا عن نتائج التحقيقات"

ه" الذين عانوا تجربة فقد يعرفون أنهم لم يفاجئوا بهذا الفقد تماماً، عشرات الإشارات، والأشياء، مهدت لهذا الفقد، لكننا كنا أغبياء بما يكفي....الذين عانوا تجربة فقد يرون من رحل أجمل، ومن بقى أقبح، من ذهب أصدق، ومن مكث أكذب "

"ماشي، الأهالي محتاجين التعويضات وده حقهم، لكن فين حق اللي ماتوا؟!"

"علي فكرة لو ما عرفناش نجيب حق الناس دي أنا مش هأقدر أكمل هنا...لازم أسافر"


ه"انقسمنا، رغم أننا لم نفعل شيئا بعد. بدأنا ننساهم، نتوقف عن البكاء كل ليلة مثلما كنا نفعل في الأيام الأولي. ننسي أنه ربما كنا نحن هناك، بأننا مسئولون عنهم. تلك الحياة. لم نعتاد كأحياء علي العمل معا، رغم أنه حتي الموت يمكن أن يكون جماعيا. ربما هذا أهم ما أضاءته النيران المشتعلة في أجساد الراحلين، وفي المسرح الخرب المحترق: كلنا في المحرقة. نحن موتي، علي قيد الحياة."

ه"لم يسمعوا مثلي لشاهد عيان لكارثة بني سويف يروي لي عن "الأخوة" الملتحين، الذين كانوا يقفون علي الرصيف المقابل لقصر الثقافة المشتعل، يراقبون محاولات أصدقائنا لإطفاء أجساد الناجين، الذين كانوا يخرجون من غرفة النيران مشتعلون. كانوا يراقبون ذلك ويبتسمون في شماتة...يستحقون ذلك، إنه "جزاء مرتكبي الفن".

"أخويا مااااات!!"

ه"لا تصالح علي الدم حتي بدم
لا تصالح ولو قيل رأس برأس
أكل الروؤس سواء؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟
أعيناه عينا أخيك؟
وهل تتساوي يد سيفها كان لك
بيد سيفها أثكلك؟"

"يا عايدة لونا ويا عايدة لونا، الفرقة صعبة وهتوحشونا"

ه" حكمت محكمة جنح استئناف بني سويف 14 مارس 2007 ببراءة كل من د/مصطفى علوي رئيس هيئة قصور الثقافة سابقا ومصطفى محمد المعاز رئيس الإدارة المركزية للشئون الفنية ،ومحمد سامي طه مدير إدارة المسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة ، وممدوح كامل أحمد رئيس الإدارة المركزية لإقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد"

"خلاص"

2

الجريمة الكاملة هي التي لا يكتشفها أحد، الكاملة الأركان بحيث لا يوجد أي دليل يشير للجاني. أحياناً ما يكون السبب هو ذكاء المجرم في تخطيطه لجريمته ومحو آثارها، وأحياناً ما يكون السبب هو أنه لم يكن أحد هناك ليري ما حدث، وأحياناً لأنه لا يوجد من يكترث كثيراً بالعدالة، أو لأن الجاني من "الأشراف" أو أن الضحية ليس له أو لها "أهل"

ليس هذا عن كارثة الحريق ببعيد.

لدينا في التاريخ الإسلامي أو السيرة النبوية حكاية عن "نأخذ من كل قبيلة رجلاً" ليضربوا النبي محمد (ص) "ضربة رجلٍ واحد" حتى "يتفرق الدم بين القبائل"...ليس فقط حتي يكون هناك قتلة كثيرون وليس قاتل واحد، ولكن حتى لا توجد قبيلة يخلو قميصها من دماء، وبالتالي لن يوجد من يطلب القصاص، أو ينفذه إذا ما طلبه أحد، أو يكون لديه عزم حتى يتم تنفيذه. الكل متورط. الكل غير محايد. والأصوات الخافتة يسهل الشوشرة عليها، وإسكاتها عند الضرورة

ولكن في حالتنا لم يجعل الله "من بين أيديهم سداً" كما تخبرنا نهاية الحكاية في السيرة.


تفرق دم الراحلين، ولكن ليس بين القبائل، في هذه المرة. تفرق بيننا.

هل يمكن أن أستثني أحداً؟
الكل يعلم، والكل لا يستطيع، والنتيجة: لا دليل، ولا من يطالب بالقصاص، ولا من لديه العزم.

حيلتنا غصن صفصاف هذيل. أم أنه "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها"؟

فاعليات فنية في ذكري اليوم أحياناً، أسماء الراحلين تطلق علي بعض القاعات بقصور الثقافة، التعويضات، كتب عنهم، ومراثي

يجب أن تمضي الحياة

"وظهيرة أويت من لفح الهجير
لظلال صفصاف تطل علي غدير
فجلست محزوناً أنقل في المدي بصري
فحط علي بيوت الطين وعلي القصر الكبير
وعلي القبور وأنا أدندن أغنية
"يا بهية وخبريني عللي قتل ياسين"
وإذا بضفدعة بقربي تستجير
كانت بفكي أفعوان
عبثاً هرعت بغصن صفصاف
فقد فات الأوان
غابت وغاب الأفعوان
ما غصن صفصاف بمعركة الأفاعي والضفادع؟"

3

"يا عايدة لونا ويا عايدة لونا "
"يا عايدة لونا ويا عايدة لونا "

4

إنها الجريمة الكاملة.
ربما لهذا ينبغي أن نغلق ملف القضية، نغلق الباب. نغلق الباب وكل باب، علي قلوبنا

سلام أيها الأحباب...وإلي لقاء ليته كان قريب.



أيمن حلمي

عنه

سيزيف

10 سبتمبر 2007