سيزيف مصري

في الأسطورة الأغريقية، سيزيف في الجحيم وعقابه أن يرفع صخرة من القاع حتي قمة جبل شاهق، وقبل أن يصل بقليل تسقط منه لأسفل، فيعود ليبدأ من جديد، بلا نهاية. ما أشبه ذلك بنا، أولادك يا بلدي

Monday, February 21, 2011

رفض الصاوي وزيرا للثقافة أم إقالة حكومة شفيق: في رحاب أزمة الفن المستقل


رفض الصاوي وزيرا للثقافة أم إقالة حكومة شفيق: في رحاب أزمة الفن المستقل

ما هي الأماكن "الثقافية" في القاهرة التي يمكن لفرقة فنية مستقلة، مسرحية أو موسيقية، أن تقيم عرضا بها، بينما تفتح هذه الفرقة أو الفنان شباك تذاكر؟

في رأيي أن الحديث عن مهندس محمد الصاوي ومشروعه "الثقافي"، ساقية الصاوي، وترشيحه وزيرا للثقافة، يرتبط بهذا السؤال.

عندما نتحدث عن مشاكل الفنانين والفرق الفنية المستقلة في مصر – ونتناول القاهرة نموذجا – يقفز إلى الذهن هذا السؤال (بافتراض وجود المُنتَج، أي العرض أو الفقرات الموسيقية، جاهزا، أي أننا سنتجاوز مشاكل الإنتاج من أماكن للبروفات والتدريب، والعناصر الفنية الجيدة، الخ):

أين سنعرض؟ كيف نغطي مصاريف العرض؟

بالنسبة لي، فإن طموحي كموسيقي يتجسد في الاحترافية. وأرى الاحترافية ذات وجهين، ثانيهما هو الإتقان والبراعة المهنية، وأولهما هو كسب الرزق من المهنة. ببساطة، أن يتوفر لي مكان عرض ودعاية مناسبين، وإذا كان ما أقدمه جيد بما يكفي ليجد جمهورا يهتم به ويسعي خلفه، أمكنني أن أواصل مشروعي بما يدره على شباك التذاكر. عندئذ قد لا أحتاج إلى أن أعمل في مهنة مختلفة تماما لدعم مشروعي ماديا – كما يفعل أغلب الفنانين المستقلين.

مكان واحد فحسب بالقاهرة يمكنك أن تقدم به عرضك الفني بجانب شباك تذاكر: ساقية الصاوي. ولكن ماذا عن ساحة روابط للفنون بوسط البلد؟ بالنسبة لهذه الساحة، فكانت مبادرة من تاون هاوس جاليري ونشطاء وفنانين آخرين بتحويل جراج بوسط البلد إلى ساحة عرض. ورغم أنه على ما أعلم لا يوجد ترخيص يسمح بفتح شباك تذاكر علانية في روابط، إلا أنه ربما يمكن القيام بهذا بشكل غير مباشر، مثلا، عن طريق البيع الجبري لكروت تذكارية – ذات قيمة فنية أو لا، لا يهم – أمام باب الدخول.

نعود لموضوع تعيين رجل الأعمال والمهندس محمد الصاوي وزيرا للثقافة، والذي يتقاطع هنا مع ما ذكرته. هناك رأيان يتعارضان في الظاهر، فحواهما: (1) يجب إعلان رأينا بأن محمد الصاوي لا يصلح لهذا المنصب وطلب هذا من الوزارة أو الضغط عليها لأجل تنفيذه، (2) يجب المطالبة بإقالة وزارة شفيق التي رشحت الصاوي لأنها ستأتي بغيره، والتركيز على فشل آلية اختيارهم لوزير الثقافة. التعارض واضح: هل نتفاوض مع الحكومة ونضغط عليها بما يعنيه من قبولنا لها، أم نرفض التفاوض معها لأنها مرفوضة وبالتالي بلا شرعية تفاوضية بالنسبة لنا.

مسرح روابط، الذي ذكرت الدعوة التي جاءتني وغيري، لاجتماع دعا له الموسيقى الكبير فتحي سلامة والكثير من الموسيقيين والفنانين لمناقشة الموقف بعد خبر تعيين محمد الصاوي وزيرا للثقافة ولبحث كيفية إعلاننا احتجاجنا عليه، أنه مكان الاجتماع، كان مغلقا. ما أعلنته إدارة روابط هو أن الاجتماع الذي طُلب منهم استضافته كان لمناقشة أحوال ومشاكل الموسيقيين، ثم تغير الموضوع اليوم إلى الاحتجاج على الصاوي وزيرا، في استجابة طارئة لإعلان الحكومة هذا أمس. ورفضت إدارة روابط استضافة الاجتماع إذا كان موضوعه هو الاحتجاج، لأن ساحة روابط "مركز ثقافي".

هذا المنطق لن يختلف أحد عليه: من حق الصاوي فرض الشروط والسياسيات التي يراها ملائمة، ويؤمن بها، من حقه فرضها على مركزه الثقافي الخاص. ومن يقتنع بهذه الشروط، الأخلاقية والرقابية والمادية الخ، فأهلا وسهلا، وإلا فليذهب لمكان آخر، وله كامل الاحترام. كذلك الحال بالنسبة لساحة روابط، فمثلا، من يختلف مع فكرة أن الاحتجاج ليس له علاقة بالثقافة، أو مع فكرة أن الاحتجاج ليس أحد وسائل التعبير المشروعة، عليه أن يحتج في مكان آخر، وله كامل الاحترام كذلك. هكذا فعلنا اليوم.

ولكن الأزمة هنا هي، أين نذهب؟ أين هذا المكان الآخر؟

لهذا يستمر الكثير من الفنانين المستقلين الواعدين في العرض في الساقية رغم ما يشاع عنها من مشاكل يعرفها أغلب من يعرضون هناك، منها، على سبيل المثال، رقابة رجعية محافظة على الأعمال الفنية، عدم دقة حسابات شباك التذاكر، لجان مشاهدة ضعيفة فنيا، تمييز في اختيار العروض ونسبة ما يقتسم مع الساقية من ربح من التذاكر والدعاية وقاعات ومواعيد العروض.

ساقية الصاوي تحتكر خدمات العروض الثقافية التي تتضمن فتح شباك تذاكر. وبينما هي مركز "خاص"، لا توجد مراكز "خاصة" أخرى. لماذا؟

ربما لأنه لا يوجد في مصر مثقف وفي نفس الوقت رجل أعمال غير الصاوي؟ يحتاج هذا السؤال للتأمل.

لا بديل عن مراكز ثقافية جديدة تقدم خدمة محترمة وتتلافي كل المشاكل التي من هذا النوع. عندما نجد مركزا ثقافيا يوفر لنا دعما حقيقيا ودعائيا ولا يهدف للربح وبلا فساد داخلي، وبلا رقابة أخلاقية أو سياسية على أعمالنا، وذو معايير اختيار فنية معلنة وواضحة سنذهب كلنا إليه، وعندها ستضطر كل المراكز الأخرى للغلق إذا لم يأتي لها أحد، أو، على الأقل، ستنكشف بوصفها مراكز "ثقافية". وكما أثبتت التجربة في خدمات الهاتف المحمول في مصر بما لا يدع مجالا للشك: الاحتكار يضعف كثيرا من موقف العملاء، والتنافسية بين أكثر من مقدم لأي خدمة دائما في صالح العملاء.

ولكن ماذا عن موضوع تركنا للحديث عن الرجل ومشروعه والتركيز على إقالة الحكومة التي عين مبارك رئيس وزراءها، لإنقاذه بالطبع وليس إنقاذ الدولة ولا المصريين الذين سالت دماءهم ليتنحى؟

أرى وحشين هائلين أمام هذه الثورة، قامت ضدهما، وما زالا أمامها حتى الآن. الفساد والقتل. محاكم الثورة في الأساس للفاسدين اللصوص وللمجرمين قتلة المتظاهرين سلميا أو محترفي التعذيب. ولكن عندما نتكلم عن الثقافة يجنح بنا الحديث قليلا. فعلى مستوٍ آخر، رغم وجود الفساد والقتل أيضا في الوزارة – قضية أيمن عبد المنعم وقضية محرقة بني سويف مثالين، إلا أن هناك وحشان آخران على مستوٍ فوقي. الزيف والجهل. لهذا فإن للمثقفين والفنانين، في رأيي، دور مضاعف في معارك الثورة، التي تبدو الآن وكأنها لا تنتهي.

لهذا لا أرى تعارضا بين الأمرين، تناول ملف الصاوي والساقية، والمطالبة بإقالة حكومة شفيق. فالثورة ليست معركة واحدة. وكل فرصة في أي موقع ثقافي تتعلق، فضلا عن الفساد والقتل، بالزيف أو الجهل علينا ألا ننحيها جانبا، لأن الثورة قامت ضد كل هذا، ولم تنتهي بعد.

ربما تقال الحكومة ولا يعين الصاوي، وربما يعين ثم يستقيل أو يقال. ولكن ربما لن ينتهي الأمر عند هذا. أعنى، عودة ثانية، وثالثة. لهذا، فالكلام عن ساقية الصاوي كمركز ثقافي وجمع الشهادات الحية من كل الفنانين والعارضين والعاملين الذين كانت لديهم تجارب وخبرات مع هذا المكان لهو أمر شديد الأهمية.

هل يمكن أن نحلم بعروض في الشارع وفي المترو والحدائق، وبمسارح نملكها ونديرها ويحق لنا أن نفتح فيها شباك تذاكر، وبدولة تتحمل مسئولياتها نحو الفنانين المستقلين، وبجمهور يساعدنا في حرب الزيف والجهل كما نساعده فتكون ثورة على "الجمهور عايز كده"؟

دعونا نستكمل هذه المعركة، ونستعد لتالية ربما أكبر.

ثورة ثورة حتى النصر، ثورة في كل شوارع مصر.

Tuesday, February 15, 2011

مقال روبرت فيسك في الإندبندنت: هل يحكم الجيش من قبضته على مصر؟


روبرت فيسك: هل يحكم الجيش من قبضته على مصر؟

الاثنينن 14 فبراير 2011

بعد يومين من نجاح ثورة ملايين المصريين ضد نظام حسني مبارك، عزز الجيش – بقيادة المشير محمد طنطاوي، صديق عمر مبارك – من سيطرته على مصر أمس، بقراره حل مجلس الشعب وتعطيل الدستور. وبينما كانوا يفعلون هذا، كان رئيس الوزراء الذي عيّنه مبارك، الجنرال السابق أحمد شفيق، يخبر المصريين أن أولى أولويّاته هي "السلام والأمن" ومنع "الفوضى والاضطرابات" – الشعار نفسه الذي طالما ردده الرئيس السابق، غير المحبوب. هل من يوم لا "تعود فيه ريما"؟

في استماتتهم لاحترام وعد "المجلس العسكري" بعودة الحياة في القاهرة كما كانت، ظهرت مجموعات من مئات المصريين – الكثير منهم عزّل – في ميدان التحرير لحث المتظاهرين الباقين على مغادرة المعسكر الذي شغلوه لعشرين يوما. في البداية رحّب بهم الحشد كأصدقاء وقدّم لهم الطعام والماء. ظهرت الشرطة العسكرية بالبيريه الأحمر، مرة أخرى بدون أسلحة، لتنظيم المرور. ولكن عندئذ بدأ ضابط شاب في ضرب المتظاهرين بـ "خيزران" – ما أصعب أن يغيّر الرجال الذين يرتدون زيّا رسميّا من عاداتهم – وللحظة، كان هناك إعادة مصغّرة للغضب العارم الذي حل بشرطة أمن الدولة هنا يوم 28 يناير.

عكس هذا قلقا متزايدا بين هؤلاء الذين أطاحوا بمبارك بأن ثمار نصرهم ربما يلتهمها جيش يتكون في الأساس من جنرالات وصلوا لسلطتهم وامتيازاتهم في عهد مبارك نفسه. لا أحد يعترض على حل مجلس الشعب، لأن انتخابات مبارك لمجلس الشعب في العام الماضي – وكل الأعوام الأخرى – كانت مزورة، وعلى نحو شديد الشفافية. ولكن "المجلس العسكري" لم يعطي أي إشارة لتاريخ الانتخابات الحرة والنزيهة التي اعتقد المصريون أنهم وُعِدوا بها.

تعطيل الدستور – الوثيقة التي اعتبرها ملايين المتظاهرين، على أي حال، بمثابة جواز مرور للديكتاتورية الرئاسية – قابله أغلب المصريين باللامبالاة. وأعلن الجيش، بعد تلقيه ثناء مبالغ فيه من إسرائيل على وعده باحترام معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية، أنه سيتولى السلطة فقط لستة أشهر؛ لا كلمة أخرى، رغم هذا، عما إذا ما كان يمكنهم تجديد حكمهم العسكري بعد هذا التاريخ.

ولكن بدأ يظهر تباعد واضح بين مطالب الشباب والشابات الذين أسقطوا نظام مبارك والتنازلات – إذا كانت تنازلات – التي يبدو أن الجيش على استعداد لأن يمنحها لهم. مظاهرة صغيرة على جانب ميدان التحرير أمس كانت ترفع مجموعة من المطالب تضمّنت وقف العمل بقانون الطوارئ، قانون مبارك القديم، وحرية المعتقلين السياسيين. وعد الجيش بإلغاء تشريع الطوارئ "عند الفرصة المناسبة" ولكن طالما لا يزال قائما، فهو يعطي الجيش نفس الصلاحية التي امتلكها مبارك في منع كل الاحتجاجات والمظاهرات؛ وهذا أحد أسباب المعارك الصغيرة التي حدثت بين الجيش والناس الذين كانوا في الميدان أمس.

بالنسبة لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ظل الجيش صامتا على نحو يثير الارتياب. هل هذا لأن هناك سجناء يعلمون الكثير عن تورط الجيش مع النظام السابق؟ أو لأن السجناء الهاربين وغيرهم ممن أفرج عنهم حديثا قد عادوا إلى القاهرة والإسكندرية من معسكرات في الصحراء بقصص رهيبة عن وقائع تعذيب وإعدام تمت على أيدي – كما يقولون – عسكريين؟ أمس، أكّد ضابط بالجيش المصري معروف لصحيفة "الإندبندنت" أن سجون الصحراء تديرها وحدات بالمخابرات العسكرية تعمل لصالح وزارة الداخلية – ليس وزارة الدفاع.

بالنسبة للقيادات العليا لشرطة أمن الدولة التي أعطت الأوامر لرجالها – وبلطجيّتها المخلصين ذوي الملابس المدنية – بمهاجمة المتظاهرون على نحو سلمي أثناء الأسبوع الأول للثورة، فيبدو أنهم قد لجئوا للهروب المعتاد إلى الحرية في دول الخليج العربي. وفقًا لضابط في قسم التحقيقات الجنائية بشرطة القاهرة، تحدثت إليه أمس، فكل الضباط المسئولين عن العنف، الذي خلّف وراءه ما يتجاوز بكثير 300 قتيلا مصريا، قد غادروا مصر مع عائلاتهم لإمارة أبو ظبي. أما المجرمون الذين استأجرتهم الشرطة لضرب المتظاهرين فقد اختفوا تحت الأرض – من يعلم متى ستكون هناك حاجة أخرى لخدماتهم؟ - بينما ضباط الشرطة الأقل رتبة ينتظرون أن تأخذ العدالة مجراها ضدهم. هذا، إذا أخذت أي مجرى.

يعتمد كل هذا، بالطبع، على حجم السّجلات التي سيتركها النظام خلفه، وإلى أي مدى ستكون السلطات، التي هي الآن الجيش، مستعدة لأن تجعل هذه الأوراق متاحة لنظام قضائي جديد، قد تم إصلاحه. بالنسبة لرجال شرطة القاهرة، الذين اختبئوا في أقسامهم قبل أن يتم إحراقها في الثامن والعشرين من يناير، فلقد ظهروا أمس عند وزارة الداخلية بالقاهرة، للمطالبة بتحسين الأجور. أن يصبح رجال الشرطة أنفسهم الآن متظاهرين – سينالون بالفعل زيادة في الأجور – كانت من أكثر اللحظات الخالدة لمصر ما بعد الثورة.

الآن، بالطبع، يأتي دور مصر في مشاهدة آثار ثورتها على جيرانها. لا تكاد توجد عائلة في مصر لم تكن تعلم أمس باليوم الثالث من المظاهرات ضد الرئيس في اليمن وما صاحبها من عنف من جانب الشرطة. ومن اللافت للنظر أنه مثلما يقلّد المتظاهرون العرب نظرائهم الناجحين في مصر، فإن أجهزة أمن الدولة في كل الأنظمة العربية تتبع بإخلاص التكتيكات الفاشلة لبلطجية مبارك.

تبيّن للمصريين شيء آخر يدعو للسخرية. هؤلاء الديكتاتوريون العرب الذي يزعمون أنهم يمثّلون شعوبهم – تأتي على البال الجزائر، وليبيا، والمغرب – أخفقوا، على نحو شديد الوضوح، في تمثيل شعوبهم، عندما لم يهنئون مصر على ثورتها الديمقراطية الناجحة. لا حاجة للقول أنهم إذا فعلوا هذا، فسيكون بمثابة قطع قوائم عروشهم.

هذه ترجمتي لمقال روبرت فيسك المنشور أمس في جريدة الإندبندنت

http://www.independent.co.uk/news/world/africa/is-the-army-tightening-its-grip-on-egypt-2213849.html

عن معتصمي التحرير أو "خيانة" الانسحاب من الميدان


عن معتصمي التحرير أو "خيانة" الانسحاب من الميدان

آخر الليل، لم ابتسم عندما تذكرت ردّ هذا الشاب على الرجل الذي كان يطلب منه أن يترك ميدان التحرير ويعود لبيته، كما فعلتُ عندما سمعته لأول مرة هذا الصباح.

"كنت فين يوم 25 يناير؟ تعرف إيه عن الناس اللي ماتوا؟ ما بنقولشي لحد اقعد معانا، بس بنقول إحنا قاعدين ومش ماشيين."

ألعاب نارية، أعلام، أبواق، بالونات، رقص، أطفال وعائلات كاملة تتنزه في الميدان رغم إنه تتبقى أقل من ساعة على موعد الحظر الجديد، منتصف الليل. لا زالت الأجواء الكرنفالية تحتل المشهد في ميدان التحرير، رغم محاولة الجيش صباح اليوم فض الاعتصام بالقوة "المحدودة" – مثل استخدام عصى وهراوات لإزالة الخيام التي أقامها المعتصمون في كل أطراف الميدان وفي الحدائق الدائرية بقلبه .. ولا أنباء عن إصابات – ولكني تركتهم منذ قليل وقد انكمشت الآلاف التي كانت تملأ الميدان نهارا وتعطّل حركة السيارات التي اخترقت الميدان للمرة الأولي منذ عشرين يوما، بعد أن نجح الجيش في إعادة تسيير السيارات به وسط المتظاهرين، انكمشت لقرابة ستة آلاف أو أقل.

كانت كافة الحركات السياسية "المنظمة" انسحبت من الاعتصام المستمر، بأفق انتهاء هذه المرحلة، والحاجة للتخطيط لأشكال احتجاجية أخرى أكثر تنظيما وبالتالي أقل إجهادا للناس وأكثر نجاحا وتأثيرا، مثل دعوة لمظاهرة مليونية في كل يوم جمعة في ميدان التحرير للتذكير بأن الثورة لازالت مستمرة وأن المطالب الباقية لم تنفذ بعد – مثل إطلاق سراح المعتقلين من 25 يناير وما بعدها أو إصدار معلومات عن المختفين والمفقودين منهم، والإفراج عن المعتقلين السياسيين وإبطال كافة أحكام المحكمة العسكرية الصادرة تجاه مدنيين، وتكوين مجلس رئاسي من خمسة منهم عسكري، وربما حتى أكثرها راديكالية مثل حل جهاز أمن الدولة. طرف شديد الجوهرية في هذه الثورة، مجموعة "كلنا خالد سعيد" على الفيسبوك، لم تناقش حتى مسألة استكمال الاعتصام من عدمها، على أساس أن الاعتصام قد انتهى بديهيا بتنحي الرئيس وأنه علينا الآن التركيز في أشياء أخرى، مثل المعتقلين والمختفين.

المشكلة هي تبقى بضع آلاف من المعتصمين لا يريدون ترك الميدان. ولكن من هؤلاء ولماذا لا يريدون الذهاب؟

عندما ذهبت ظهر اليوم – 13 فبراير – للتحرير كنت أتوقع أن أرى ستمائة أو ألف على الأكثر من المعتصمين. لكنهم كانوا بالآلاف. أغلبهم كانوا متفرجين أو زوار للميدان، سيرحلون إن عاجلا أو آجلا، وسيتركون المعتصمين خلفهم قبل ميعاد حظر التجول. اتصلت بكثيرين لأشركهم همّي: أن يحاول الجيش فض الاعتصام بالقوة ليلا أو فجرا بينما هؤلاء وحدهم، بعد ما انسحب الجميع.

لكني اكتشف أنه في الواقع، لا يوجد ما يمكننا فعله. لا توجد مركزية لهذه الثورة، ولا يوجد تنظيما قويا بما يكفي ليعمل كحائط دفاع يمكنه سد ثغرات من هذا النوع، ولا به ما يكفي من أفراد، ولا لديه اتصالا ساخنا بالجيش لمناقشة مثل هذه الأمور.

أغلب هؤلاء الباقين الآن ممن بدأوا الاعتصام في الميدان من يوم الجمعة 28 ليلا، ليلة سقوط الشرطة بعد حرب الأيام الأربعة (ولكن هذه قصة أخرى)، وحتى الآن. ربما أن أغلبهم بلا خبرات سياسية كبيرة ولا ينتمي لأي حركة سياسية. ربما كانوا أقرب للشهداء. ربما كانوا لا يثقون إلا فيما يرونه بأعينهم ويلمسونه بأيديهم ولا يلقون بالا للوعود. الأكيد أنهم "مستقلون" وأنهم "مخلصون"، وأنهم لا يثقون إلا في "اعتصام ميدان التحرير" كشكل احتجاجي، وأنهم الجذوة المشتعلة للثورة، التي لم تخفت نارها حتى الآن.

يوم الثلاثاء ا فبراير، كاد النظام في معركته اليائسة أن ينجح في ضرب الثورة عن طريق خطاب الرئيس الذي لعب بعواطف الناس بالحديث عن رغبة الرجل العجوز أن يدفن في وطنه، وفي نفس الوقت جعلهم أميل للرضاء بما قدمه من "تنازلات"، مثل تعيين نائب له.

في هذه الليلة، ما قلته لنفسي هو أنه إذا كانت هذه ثورة حقيقية، فلن يوقفها خطاب، ولن يوقفها أحد. وإذا لم تكن بهذه الدرجة من الصدق، فستكون هذه هي النهاية، ويجب وقتها ألا أحزن. ربما هي تمهيد لثورة أخرى قادمة بعد شهور أو سنين. ولكن كان أنها استمرت.

اليوم، تذكرت هذا، وأنا هناك. هؤلاء المستمرون في الاعتصام في ميدان التحرير حتى الآن، رغم النداءات القريبة والبعيدة بإخلائه، لن يمكن إقناعهم بالرحيل. الوسيلة الوحيدة هي أن تقاتلهم لتأخذه منهم مرة أخرى. بالنسبة لهم، الثورة هي هذا الاعتصام، بين صور هؤلاء الأحباء، شهداءنا. لقد مات كثيرون منهم ليحرروا هذه الأرض، ميدان التحرير. أليس التفريط فيها خيانة لهم، بينما لم تنته الثورة بعد؟ الاعتصام هو الذي فعل كل شيء. التحرير هو الذي بدأها وهو الذي سينهيها. التحرير جعل الرئيس يرحل!

أتفق مع وجهة النظر بأن مرحلة الاعتصام المستمر يجب أن تنتهي وأنه يجب استخدام أساليب أخرى أكثر تنظيما وأقل استنزافا لجهدنا وكذلك إثارة لغضب الجيش. ولكن ماذا عن هؤلاء المعتصمين؟

لا شك أن سذاجة مطالبة من رحل بأن يعود للاعتصام لا تقل سذاجة عن محاولة إقناع المعتصمين بإخلاء الميدان قبل أن يروا بأعينهم ما يريدون أن يرونه. في الغالب لن يلجأ الجيش للعنف ليخلي الميدان، اليوم. فماذا عن غد؟ في الغالب أنهم لن يثيروا المشاكل، غدا، بل عل العكس سوف يساعدون في تسيير حركة المرور بالميدان. فماذا عن بعد غد؟

عوّدتنا هذه الثورة من بدايتها على المفاجآت. لم ينجح توقّعا واحدا: "تغيير النظام في مصر يحتاج لسنوات". "لن ينجح يوم 25". "المظاهرة لن تكون أبدا مليونية". "لن يرحل الرئيس أبدا". حتى التوقّع الوحيد الذي كان صحيحا بناءا على كل الشواهد، أن خطاب يوم الخميس 10 فبراير هو خطاب التنحي، لم يصح! وحدث التنحي يوم الجمعة 11 – بعد إصابة كثيرين بالشلل والذبحة الصدرية. ما أريد الإشارة إليه هو أن ما هو محال اليوم يمكن بسهولة أن نراه غدا. بالطبع، يمكننا أن نعوّل كثيرا على "ستر ربنا"، رغم أنه، للأسف، قراءة لا تستند للتحليل العلمي.

الليلة سمعته يهتف بصوته الخشن ولهجته الغير متعلّمه من خلال الإذاعة الوحيدة الباقية في الميدان، السماعات التي أمام الاعتصام الذي بقلب الميدان في الجزء الذي بجوار هارديز:

"بيقولوا لنا عايزين 20 واحد يتكلموا باسمنا. في حد هنا عايز يتكلم باسمنا؟ إحنا بنقولهم إحنا 85 مليون، ومش عايزين 20 ما نعرفهمش يتكلموا باسمنا. إحنا الشعب. مشّينا الريس وحلّينا مجلس الشعب، وإحنا اللي هنحرر المعتقلين. إحنا مش هنتكلم مع حد."

أقرأ هذا الآن في سياق أسئلة الشاب صباح اليوم لمن كان يطلب منه الرحيل. من السهل الآن تفهّم هذا الإحساس الذي يقترب من البارانويا. بالطبع. الكل انسحبوا. أين مئات الآلاف؟ أين عشرات الآلاف؟ هل سنموت؟ رأينا الشهداء يموتون. الثورة لم تنته بعد.

رغم تفهمي الكامل لانسحاب أغلب الناس من هذا الشكل الاحتجاجي، إلا أنني لن أتفهّم أو أغفر لوقوع شهداء جدد. دعوني أقولها، فلا تحدث، مثلما عوّدتنا هذه الثورة.

اليوم تعاملت بعنف لم أعتد عليه مع أحد الأشخاص في التحرير. كان شابا في أول الأربعين ويرتدي بذلة رمادية كاملة. سمعته يتكلم مع اثنين بسطاء بجواري سألاه عما يحدث. في آخر إجابته قال:

"مش عارف الجيش ليه سايبهم؟ هي دانة مدفع واحد ويخلّص الموضوع. وأهم لو ماتوا هيبقوا شهداء برضه."

كان صوتي مرتفعا للغاية وكنت عصبيا – وهذا بالنسبة لي، لمن يعرفني، عنف – وأنا أقول له بأنه في كل دول العالم المحترمة من حق أي إنسان أن يتظاهر أو يعتصم أو يعبر عن أي شيء ما دام سلميا. واتهمته بأن تفكيره بالرد على التظاهر بالرصاص هو تفكير النظام الفاسد الذي مات هؤلاء لكي يسقطوه، فانسحب بعدما شعر بالخطر بعد تجمّع بعض الناس وربما من إدراكه من انفعالي وارتجاف جسدي أنني أصدّق ما أقول.

لمثل هذا وغيره، ربما البلطجية من جديد، تركنا، رغما عنا وعنهم، هؤلاء المعتصمين. ولكن المعتصمون في التحرير الآن لا يخافون. يؤمنون بالاعتصام كما نؤمن نحن بأن مرحلة الاعتصام قد انتهت. وبينما تحمينا جدران بيوتنا ليلا، في الحقيقة، لا أعنى المجاز حين أقول، أن ما يتدرّعون به ويحميهم من هذا البرد السخيف، ومن العنف المحتمل من الجيش، خاصة بعد لكنة الخطاب التي سمعتها اليوم منهم وأنهم يرفضون الحوار، هي صور شهداء الثورة التي تملأ أرجاء الميدان.

Thursday, February 10, 2011

سلام على الورد اللي فتّح في جناين مصر


سلام على الورد اللي فتّح في جناين مصر



سلام على الورد اللي فتّح في جناين مصر
وما كانشي خايف ينقطف

سلام على الورد اللي فتّح في جناين مصر
وقال
إن الجمال
حاجة لا يمكن تتوصف

سلام عليكم ياللي غنيتوا:
عيشة بكرامة أو بلاش
إن الحياة في الظلم ما تسواش
...
هتعيشوا أكتر مننا
وكأننا
ما جيناش
وإنتو وبس جيتوا
بس اللي فاطر قلبنا
سبتونا قبل ما تشوفوا بعينيكوا النور
اللي عشانه بكل شيء ضحيتوا

وعد يا حبايبي نكمّل المشوار
لحد يوم نوصل لباب النصر
لحد يوم ينهد فيه القصر
لحد يوم تبتسموا فيه لينا
ويّا ابتسامة مصر
سلام على الورد اللي فتّح في جناين مصر
سلام..
سلام..
سلام


روبرت فيسك: الأسبوع الثالث، واليوم السادس عشر، وفي كل ساعة تمضي يمد النظام جذوره لعمق أكبر


روبرت فيسك: الأسبوع الثالث، واليوم السادس عشر، وفي كل ساعة تمضي يمد النظام جذوره لعمق أكبر


يتغيّر لون الدم إلى البنّي بمضي العمر. أما الثورات فلا. الأسمال البالية القذرة المعلقة الآن في ركن بالميدان هي آخر ملابس كان يرتديها شهداء التحرير: بينهم طبيب، ومحام، وشابة، تتناثر صورهم بأعلى الحشود – أقمشة هذه الـ تي-شرتات والبنطلونات ملطخة بلون الطين. ولكن أمس، كرّم عشرات الآلاف موتاهم في أكبر مظاهرة احتجاج حدثت ضد الحكم الديكتاتوري للرئيس حسني مبارك؛ جماهير تعرق، تتدافع، تصيح، تبكي، تفرح، نافذة الصبر، تخاف أن ينسى العالم شجاعتها وتضحيتها. استغرق منّا الأمر ثلاث ساعات حتى نشق طريقنا إلى داخل الميدان، وساعتين من الغوص في بحر من الأجساد البشرية حتى نخرج. عاليا فوقنا كان يرفرف في الهواء فوتومونتاج مروّع: رأس حسني مبارك مركّبة على الصورة البشعة لصدام حسين بينما حبل المشنقة حول رقبته.

الانتفاضات لا تتبع جداول زمنية. ومبارك سيبحث عن انتقام ما من انفجار الأمس المتجدد من الغضب والإحباط نحو حكمه ذي الثلاثين عاما. ليومين، حاولت حكومته الجديدة – وقد عادت للعمل – أن تصوّر مصر كأمّة تعود ثانية لحالتها القديمة والاستبدادية من السُّبات. محطات البنزين مفتوحة، سلسلة من الاختناقات المرورية الإجبارية، البنوك توزع النقود – رغم أنه بمبالغ صغيرة، بدرجة مناسبة – المحلات تعمل في حذر شديد، والوزراء جالسين في إنصات في التليفزيون المصري بينما الرجل الذي سيظل ملكا لخمسة أشهر أخرى يحاضرهم عن الحاجة إلى الخروج من الفوضى إلى النظام – هذا هو السبب الوحيد المعلن لإصراره على التمسّك بالسلطة.

ولكن عصام عتمان دليل على أنه على خطأ. كان يحمل ابنته خديجة، ذات الخمس سنوات، على كتفيه متلقيا الدّفعات والضربات من الآلاف حوله. هتف رافعا صوته فوق صوت المظاهرة: "أنا هنا من أجل ابنتي". "من أجل حريتها أريد أن يرحل مبارك. لستُ فقيرا. عندي شركة نقل ومحطة بنزين. كل شيء مغلق الآن وأنا أعاني، ولكن لا يهمني. أدفع للعاملين لديّ من جيبي الخاص. هذا عن الحرية. وتستحق أي شيء." وفي نفس الوقت، كانت البنت الصغيرة تجلس على كتف عصام عتمان وتحدّق في الحشود الملحمية في عجب؛ لن يضاهي هذا أي عرض مبهر لهاري بوتر.

الكثير من المتظاهرين – أفواج كبيرة جدا كانت تتدفّق إلى الميدان مساء أمس، حتى أن موقع المظاهرة بدأ يفيض بالبشر على كباري نهر النيل والميادين الأخرى لوسط البلد – كانوا يأتون للمرة الأولى. لا بد أن عدد المتظاهرين كان يفوق عدد جنود الجيش الثالث المصري بنسبة 40 ألف لكل جندي، جلسوا في دعة على دباباتهم وناقلات الجنود المدرعة، يبتسمون في عصبية بينما العجائز والشباب والشابات يتسكعون حول جنازير دباباتهم، وينامون على الدروع، ورؤوسهم على العجلات الفولاذية الكبيرة؛ قوة عسكرية حوّلها جيش من المعارضين إلى قوة عاجزة. كثيرون قالوا أنهم أتوا لأنهم كانوا خائفين؛ لأنهم خشوا أن العالم بدأ يفقد اهتمامه بكفاحهم ... لأن مبارك لم يغادر قصره بعد ... لأن أعداد الناس بدأت تقل في الأيام الأخيرة ... لأن بعض فرق عمل الكاميرات غادرت من أجل مآسٍ أخرى وحكومات ديكتاتورية أخرى ... لأن رائحة الخيانة كانت في الهواء. إذا انتهت "جمهورية التحرير" ستنتهي اليقظة الوطنية. ولكن أمس أثبت أن الثورة حية.

خطئها كان أنها استخفّت بقدرة النظام أيضا على أن يحيا، أن ينجو، أن يدير جلاديه ثانية، أن يطفئ الكاميرات ويهاجم الصوت الوحيد لتلك الناس – أعني الصحفيين – وأن يقنع هؤلاء الأعداء القدامى للثورة، "المعتدلين" الذين يحبّهم الغرب، بأن يحطّوا من قدر طلبهم الوحيد. ما المشكلة في خمسة أشهر أخرى ورحيل الرجل في سبتمبر؟ حتى عمرو موسى، الأكثر احتراما بين الشخصيات المصرية التي تحظى بتأييد الحشود، تبيّن أنه يريد الفتى العجوز أن يستمر حتى النهاية. يثير الأسى، في الحقيقة، الفهم السياسي لهذه الجماهير البريئة، وغير المثقفة في الغالب.

الأنظمة الحاكمة تنمو لها جذور من حديد. عندما ترك السوريون لبنان عام 2005، اعتقد اللبنانيون أنه كان يكفي قطع الرأس، لإخراج الجنود وضباط المخابرات من بلدهم. ولكني أتذكر الدهشة التي اكتشفنا بها جميعا عمق المخالب السورية. كانت ترقد عميقا في الأرض اللبنانية، حتى صخر الأديم نفسه. استمرت الاغتيالات. وهكذا الأمر أيضا في مصر. بلطجية وزارة الداخلية، ورجال أمن الدولة، والديكتاتور الذي يعطيهم الأوامر، لازالوا يعملون – وإذا كان على أحد الرؤوس أن تتدحرج، ستكون هناك رؤوس أخرى لتُلصق على البورتريه المألوف لتعيد إرسال هؤلاء الرجال القساة إلى الشوارع.

هناك البعض في مصر – قابلت أحدهم ليلة أمس، وهو صديق لي – أثرياء ويساندون حركة الديمقراطية بصدق، يريدون أن يرحل مبارك، ولكنهم يخشون أنه إذا تنحّى الآن في قصره، سيكون الجيش قادرا على أن يفرض أحكامه العرفية قبل أن يتم مناقشة إصلاح واحد. قال صديقي: "أريد إجراء الإصلاحات قبل أن يرحل الرجل". "إذا رحل الآن، لن يكون الرئيس الجديد لديه أي التزام بتنفيذ الإصلاحات. ينبغي أن يتم الموافقة عليها الآن وتنفيذها سريعا – ما يهم هي التعديلات التشريعية والقضائية والدستورية، والشروط الرئاسية. بمجرد أن يرحل مبارك، سيقول الرجال الذين يحملون النحاس على أكتافهم: 'انتهي الأمر – عودوا لبيوتكم!' وعندها سيكون لدينا مجلس عسكري مدته خمس سنوات. لهذا، اتركوا الرجل العجوز يبقى حتى سبتمبر."

ولكن من السهل اتهام مئات الآلاف من متظاهري الديمقراطية بالسذاجة، والغفلة، والإفراط في الاعتماد على الإنترنت وموقع فيسبوك. في الحقيقة، هناك دليل متزايد أن "الواقع الافتراضي" أصبح واقعا لشباب مصر، لقد حدث أنهم كانوا يؤمنون بالشاشة وليس الشارع – وعندما بدأوا ينزلون إلى الشوارع، صدمهم بشدة عنف الدولة وبطش ووحشية النظام المستمرة. ولكن أن تتذوق الناس هذه الحرية الجديدة لهو أمر مربك. كيف يمكن لشعب عاش تحت الحكم الديكتاتوري كل هذه الفترة الطويلة أن يخطط لثورته؟ نحن، في الغرب، نسينا هذا. هذه الأمور عندنا جزء من أنظمتنا الاجتماعية لدرجة أن كل شيء في مستقبلنا مُعد في برنامج. مصر عاصفة رعدية ليس لها اتجاه، فيض من التعبير الشعبي لا يتوافق بدقة مع ما في كتب تاريخنا الثوري أو علم أرصادنا الجوية السياسي.

كل الثورات لديها "شهداءها"، وأوجه أحمد بسيوني، والشابة سالي زهران، ومحمود محمد حسن، توجد في لافتات بكل مكان في الميدان، مع صور لرؤوس مشوهة في بشاعة وكلمة واحدة مطبوعة بجانبها "مجهول" في حسم مروّع. إذا تركت الحشود التحرير الآن، سيكون هذا بمثابة خيانة لهؤلاء الموتى. وإذا حقا صدّقنا نظرية "النظام الحاكم أو الفوضى" التي لازالت تستحوذ على واشنطن ولندن وباريس، فسيكون أيضا بمثابة خيانة للطبيعة غير الدينية، والديموقراطية، والمتحضرة، لهذه المظاهرة العظيمة.
الستالينية القاتلة للمكاتب الحكومية الضخمة بمجمّع التحرير، والعلم الأخضر الرّث الذي يثير الرثاء لمقر جامعة الدول العربية، والمبني العتيق للمتحف المصري، الذي يحرسه الجيش، مع قناع الموت الذهبي لتوت عنخ آمون – رمز ماضي مصر العظيم – المدفون عميقا بين أروقته؛ هذه هي العناصر المشهدية لـ "جمهورية التحرير".

الأسبوع الثالث – اليوم السادس عشر – يفتقر لرومانسية ووعد "يوم الغضب" والمعارك العظيمة مع البلطجية المأجورين لوزارة الداخلية المصرية، ولحظة، كانت فقط من أسبوع مضى، رفض فيها الجيش أوامر مبارك بأن يسحق، بالمعنى الحرفي، الناس في التحرير. هل سيكون هناك الأسبوع السادس أو اليوم الاثنين والثلاثين؟ هل ستكون الكاميرات لازالت هناك؟ وهل ستكون الناس؟ هل سنكون نحن؟ الأمس اثبت أن تنبؤاتنا خاطئة مرة أخرى. ولكن سيكون عليهم أن يتذكروا أن الأظفار الحديدية للنظام قد نمت طويلا في الرمال، لتصير أعمق من الأهرام، وأقوى من الأيديولوجيا. لم نرى بعد آخر ما لدى هذا المخلوق الاستثنائي. ولا رأينا آخر انتقامه.

هذه ترجمتي لمقال روبرت فيسك المنشور في صحيفة الإندبندنت 9 فبراير 2011

Wednesday, February 09, 2011

نعوم تشومسكي: هذه هي أبرز انتفاضة في المنطقة يمكنني أن أتذكرها.


نعوم تشومسكي: "هذه هي أبرز انتفاضة في المنطقة يمكنني أن أتذكرها."

في الأسابيع الأخيرة، أدّت انتفاضات شعبية في العالم العربي إلى طرد الديكتاتور التونسي زين العابدين بن علي، ونهاية وشيكة لنظام الرئيس المصري حسني مبارك، وحكومة أردنية جديدة، وتعهّد من ديكتاتور اليمن الذي طال حكمه لها بأن يترك منصبه بنهاية فترة رئاسته. نتحدث إلى نعوم تشومسكي، الأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، عما يعنيه هذا لمستقبل الشرق الأوسط وسياسة الولايات المتحدة الخارجية في المنطقة. عندما سألناه عن تصريحات الرئيس أوباما ليلة أمس عن مبارك، قال تشومسكي: "أوباما، في حرص شديد، لم يقل أي شيء... إنه يفعل ما يفعله رؤساء الولايات المتحدة عادة. كما قلتُ، هناك كتاب لخطط اللعب: عندما يقع ديكتاتور يحظى بتأييدنا في مشكلة، حاول أن تسانده، وتشبّث؛ إذا أصبح الأمر في نقطة ما مستحيلا، تحوّل إلى الجانب الآخر." واصلنا اللقاء مع تشومسكي لخمسين دقيقة بعد البث المباشر.

ايمي جودمان: من أجل تحليل وضع الانتفاضة المصرية وتداعيات هذا على الشرق الأوسط وخارجه، ينضم لنا الآن المعارض السياسي الشهير وعالم اللغويات نعوم تشومسكي، الأستاذ الفخري بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومؤلف ما يزيد عن 100 كتاب، كان آخرها كتابه "آمال وتوقعات" Hopes and Prospects.

نعوم، مرحبا بك في "الديمقراطية الآن"! تحليلك لما يحدث الآن في مصر وما يعنيه هذا للشرق الأوسط؟

نعوم تشومسكي: حسنا، أولا فإن ما يحدث مبهر بكل ما في الكلمة من معنى. شجاعة وعزم وإخلاص المتظاهرين أمر غير عادي. وأيا كان ما سيحدث فإن هذه اللحظات لن تنسى، وبالتأكيد سيكون لها نتائج على المدى الطويل؛ لقد تغلبوا على الشرطة، وأخذوا ميدان التحرير، ولازالوا يقفون هناك في وجه الجماعات المنظمة من الغوغاء المؤيدين لمبارك – جماعات تنظمها الحكومة لتحاول أن تطردهم أو تخلق موقفا سيزعم فيه الجيش أن عليه أن يتحرك لاستعادة النظام، وحينها ربما يفرض نوعا ما من الحكم العسكري، أيا كان. من الصعب جدا التنبؤ بما سيحدث. ولكن الأحداث كانت بالفعل مبهرة. وبالطبع، هذا في كل أنحاء الشرق الأوسط. في اليمن، والأردن، تقريبا في كل مكان توجد توابع كبرى.

حتى الآن، تتبع الولايات المتحدة في الأساس كتاب خطط اللعب المعتاد. أعني، كانت هناك أوقات كثيرة فقد فيها ديكتاتور ما يحظى بتأييدها السيطرة أو كان في خطر فقدانه السيطرة. هناك نوع من الروتين النمطي – ماركوس، ودوفالييه، وتشوشيسكو، الذين كانت الولايات المتحدة وبريطانيا تدعمهم بقوة، وسوهارتو: استمر في دعمهم أطول فترة ممكنة؛ ثم، عندما يصبح الأمر غير محتمل – على نحو نموذجي، مثلا، إذا تحوّل الجيش إلى الجانب الآخر – غيّر موقفك 180 درجة، وازعم أنك كنت مؤيدا للشعب طوال الوقت، وامح الماضي، ثم قم بأي خطوات ممكنة لاستعادة النظام القديم تحت أسماء جديدة. هذا قد ينجح أو يفشل حسب الظروف.

وأنا أعتقد أن هذا هو ما يحدث الآن. إنهم ينتظرون ليروا ما إذا كان مبارك يمكنه أن يتشبث، كما يبدو أنه ينوي أن يفعل، وبقدر ما سيمكنه ذلك يقولون: "حسنا، علينا أن ندعم القانون والنظام، والتغيير الدستوري المعتاد" وهكذا. إذا لم يمكنه أن يتشبث، إذا مثلا انقلب الجيش ضده، إذن سنرى الروتين المعتاد يحدث. في الحقيقة، الزعيم الوحيد الذي كان صريحا حقا، وفي طريقه ليكون – إذا لم يكن هو الآن بالفعل – الشخصية ذات الشعبية الكبرى في المنطقة هو رئيس وزراء تركيا، إردوغان، الذي كان مباشرا جدا وصريحا.

ايمي جودمان: نعوم، أريد أن أكرر على مسامعك ما كان على الرئيس أوباما أن يقوله أمس.

الرئيس باراك أوباما: لقد عبّرنا بشكل علني عن الحاجة إلى التغيير. بعد خطابه اليوم، تحدثت مباشرة إلى الرئيس مبارك. إنه يدرك أن الوضع الحالي لم يعد محتملا وأنه يجب أن يحدث تغيير. بالفعل، كل منا، ممن يتشرف بالخدمة في مناصب السلطة السياسية يفعل هذا خاضعا لإرادة شعبه. عبر آلاف السنين، عرفت مصر الكثير من لحظات التحوّل. تخبرنا أصوات الشعب المصري أن هذه إحدى هذه اللحظات، هذه إحدى هذه الأوقات. الآن، لا يوجد دور لأي دولة أخرى لتقرر من هم زعماء مصر. فقط الشعب المصري يمكنه أن يفعل هذا. الأمر الواضح، والذي أشرت إليه الليلة للرئيس مبارك، هو اعتقادي أن انتقالا منظّما يجب أن يكون ذي معنى، ويجب أن يكون سلميا، ويجب أن يبدأ الآن.

ايمي جودمان: هذا ما كان يقوله الرئيس أوباما أمس في البيت الأبيض. نعوم تشومسكي، رد فعلك لما قاله الرئيس أوباما، وخيبة أمل الكثيرين أنه لم يطلب أن يرحل مبارك في الحال؟ والأهم من ذلك، دور الولايات المتحدة، لماذا يكون للولايات المتحدة أي دخل هنا، عندما يتعلق الأمر بقدر الدعم الذي قدمته للنظام الحاكم؟

نعوم تشومسكي: حسنا، أوباما في حرص شديد لم يقل أي شيء. مبارك سيوافق أنه ينبغي أن يكون هناك انتقال منظّم، ولكن إلى ماذا؟ وزارة جديدة، بعض التغييرات المحدودة في النظام الدستوري-هذا عقيم. لهذا فهو يفعل ما يفعله قادة الولايات المتحدة دائما. كما قلتُ، هناك كتاب لخطط اللعب: عندما يقع ديكتاتور يحظى بتأييدنا في مشكلة، حاول أن تسانده، وتشبّث؛ إذا أصبح الأمر في لحظة ما مستحيلا، تحوّل إلى الجانب الآخر.

الولايات المتحدة لديها الدور الأكبر هنا بلا منازع. مصر هي ثاني أكبر متلقٍ للمعونات الأمريكية العسكرية والاقتصادية على مدى فترة طويلة. إسرائيل هي الأول. أوباما نفسه كان شديد التأييد لمبارك. يجدر بنا أن نتذكر أنه بينما في طريقه لهذا الخطاب الشهير في القاهرة، الذي كان من المفروض أن يكون خطابا لاسترضاء العالم العربي، سألته الصحافة – أعتقد إنها كانت الـ بي بي سي – ما إذا كان سيقول أي شيء عما أطلقت عليه حكومة مبارك الاستبدادية. وأوباما قال لا، أنه لن يقول شيئا. قال: "لا أحب أن استخدم التصنيفات للشعوب. مبارك رجل جيد. ولقد فعل أشياء جيدة. لقد حافظ على الاستقرار. سنواصل دعمنا له. إنه صديق." وهكذا. هذا واحد من أكثر ديكتاتوريي المنطقة وحشية؛ أما كيف يمكن لأي أحد أن يأخذ تصريحات أوباما عن حقوق الإنسان على محمل الجد بعد هذا، فهو أمر غامض بعض الشيء. ولكن الدعم كان شديد القوة على الصعيد الدبلوماسي. والعسكري – الطائرات التي تحلّق فوق ميدان التحرير هي، بالطبع، طائرات أمريكية. الولايات المتحدة هي – كما كانت – الداعم الأقوى والأرسخ والأهم للنظام الحاكم. ليست مصر مثل تونس، حيث كان الداعم الرئيسي هي فرنسا. إنهم الطرف الأول المذنب هنا. لكن في مصر، فهو بوضوح الولايات المتحدة، وبالطبع إسرائيل. إسرائيل – من بين كل دول المنطقة، إسرائيل، وأعتقد المملكة العربية السعودية – كانت هي الأكثر صراحة في موقفها والأكثر دعما لنظام مبارك. في الحقيقة، كان الزعماء الإسرائيليون غاضبين، وعلى الأقل عبروا عن غضبهم، أن أوباما لم يأخذ موقفا أقوى في دعمه لصديقهم مبارك.

ايمي جودمان: تكلم عما يعنيه هذا للشرق الأوسط يا نعوم تشومسكي. أعني، نحن نتكلم عن الاحتجاجات الضخمة التي حدثت في الأردن، إلى درجة أن الملك عبد الله قد أقال الآن وزارته وعين رئيس وزراء جديد. في اليمن هناك احتجاجات كبيرة. هناك دعوة إلى احتجاج كبير في سوريا. ما الذي يتضمنه هذا، الانتفاضة من تونس إلى مصر الآن؟

نعوم تشومسكي: حسنا، هذه هي أبرز انتفاضة في المنطقة يمكنني أن أتذكرها. أعني، أحيانا ما تقارن بأوروبا الشرقية، ولكن ليست هذه مقارنة دقيقة. لسبب واحد، ففي هذه الحالة، ليس هناك نظير لجورباتشوف في الولايات المتحدة أو أي قوى كبرى أخرى تدعم الديكتاتوريات. هذا اختلاف ضخم. الاختلاف الآخر، هو أنه في حالة أوروبا الشرقية، اتبعت الولايات المتحدة وحلفاءها المبدأ العتيق بأن الديمقراطية جميلة، على الأقل حتى نقطة معينة، إذا كانت تتفق مع الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية، وبالتالي فهي مقبولة في أرض العدو، ولكن ليست في أرضنا. هذا مبدأ راسخ، وبالطبع هذا يميّز بوضوح بين الحالتين. في الحقيقة، المقارنة الوحيدة المعقولة إلى حد ما، يمكن أن تكون مع رومانيا، حيث تشوشيسكو، أكثر ديكتاتوريي المنطقة وحشية، الذي ظلت الولايات المتحدة تدعمه بقوة شديدة حتى النهاية. وعند ذلك، عند الأيام الأخيرة، عندما تمت الإطاحة به وقتله، اتبعت إدارة بوش الأولى القواعد المعتادة: اتخذت وضعية أنها في جانب الشعب، وأنها ضد الديكتاتورية، وحاولت أن ترتب لاستمرار العلاقات الوثيقة.

ولكن هذا مختلف تماما. إلى أين سيؤدي بنا، لا أحد يعرف. أعني أن المشاكل التي يحاول المتظاهرون التعامل معها متأصلة الجذور، ولن يتم حلها بسهولة. هناك فقر كبير، وقمع، وافتقار ليس فقط للديمقراطية ولكن للتنمية الجديّة. كانت مصر والدول الأخرى بالمنطقة تمر بمرحلة من الليبرالية الجديدة أدّت إلى نمو على الورق، ولكن مع التوابع المعتادة: تركيز مرتفع للثروات المبالغ فيها والامتيازات، وإفقار كبير وإحباط للغالبية. وهذا لا يتغير بسهولة. ينبغي أيضا أن نتذكر أنه، فيما يخص موقف الولايات المتحدة، فما يحدث هو قصة قديمة جدا. في زمن الخمسينات، كان الرئيس إيزنهاور –

ايمي جودمان: عشرة ثواني في الحلقة يا نعوم.

نعوم تشومسكي: عذرا؟

ايمي جودمان: تتبقى عشر ثواني على نهاية الحلقة.

نعوم تشومسكي: آه.

ايمي جودمان: أكمل ما كنت تقوله عن إيزنهاور

نعوم تشومسكي: نعم، هل أكمل؟

ايمي جودمان: خمس ثواني. رجاءا – سنحتفظ بهذا لحقوق موقعنا الحصرية فيما بعد. كنا نتحدث مع نعوم تشومسكي. يمكنك زيارة موقعنا الإلكتروني democracynow.org، وسنضع المزيد من لقاءنا معه غدا على موقع "الديمقراطية الآن"!

هذه ترجمتي للقاء على موقع الديمقراطية الآن

https://www.democracynow.org/2011/2/2/noam_chomsky_this_is_the_most

Sunday, February 06, 2011

صحيفة الجارديان: ثروة عائلة مبارك يمكن أن تصل إلى 70 مليار دولار أمريكي، وفقا للخبراء


ثروة عائلة مبارك يمكن أن تصل إلى 70 مليار دولار أمريكي، وفقا للخبراء


فيليب إنمان

وفقا لتحليلات خبراء بالشرق الأوسط، يمكن أن تصل ثروة عائلة الرئيس حسني مبارك إلى 70 مليار دولار أمريكي (43.5 مليار جنيه إسترليني)، يوجد الجزء الأكبر منها في بنوك بريطانية وسويسرية، أو متجمّدا في عقارات في لندن، ونيويورك، ولوس انجليس، ومساحات ضخمة من الأراضي باهظة الثمن تمتد بطول ساحل البحر الأحمر.

خلال ثلاثين عاما كان فيها رئيسا، وأخرى غيرها مسئولا كبيرا بالجيش، كان متاحا لمبارك صفقات استثمارية أدرت أرباحا تبلغ مئات الملايين من الجنيهات. أُخرجت أغلب هذه الأموال خارج البلاد ووضعت في حسابات سرية بالبنوك أو استثمرت في منازل وفنادق فاخرة.

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "الخبر" العربية في العام الماضي، فمبارك لديه عقارات في مانهاتن، وعناوين لا يملكها سوى الخاصة في بيفرلي هيلز بشارع روديو درايف.

ابنيه جمال وعلاء أيضا مليارديرات. كشف احتجاج أمام منزل جمال فاحش الثراء، الكائن في 28 ويلتون بليس في بلجرافيا بوسط لندن، عن شهوة العائلة نحو الممتلكات الغربية، كإحدى إمارات الفخامة.

قالت أماني جمال، أستاذة العلوم السياسية بجامعة برنستون، أن تقديرات هذه الثروة، 40 مليار-70 مليار دولار أمريكي، تقترب كثيرا من الثروات الضخمة للزعماء الآخرين في بلاد الخليج.

قالت لموقع شبكة ايه بي سي نيوز: "أرباح المشروعات التجارية من خدمته في القوات المسلحة وفي الحكومة تراكمت في ثروته الشخصية. كان هناك الكثير من الفساد في هذا النظام الحاكم، وتخصيص الموارد العامة لصالح المكاسب الشخصية."

"هذا هو أسلوب ديكتاتوريّ الشرق الأوسط الآخرين، حتى لا تؤخذ ثرواتهم عند انتقال السلطة. هؤلاء الزعماء يعملون على هذا."

قالت صحيفة "الخبر" أنه من المعروف أن آل مبارك يحفظون الكثير من ثرواتهم خارج البلاد في بنك يو بي اس السويسري، وبنك اسكتلندا، الذي هو جزء من مجموعة لويدز المصرفية، رغم أن هذه المعلومة يمكن أن يكون عمرها على الأقل عشر سنوات.

لا توجد تفاصيل كاملة عن أين بالتحديد كوّن آل مبارك ثروتهم أو أين انتهى بها الأمر.

وأكّد كريستوفر ديفيدسون، أستاذ سياسات الشرق الأوسط بجامعة دورهام، أن مبارك، وزوجته سوزان، وابنيه، كانوا قادرين على جمع الثروة عن طريق عدد من الشراكات التجارية مع مستثمرين وشركات أجنبية، يرجع تاريخها للوقت الذي كان فيه في الجيش وفي منصب يمكن منه الاستفادة من الفساد المؤسسي.

وقال أن أغلب دول الخليج تطلب من المستثمرين الأجانب أن يمنحوا شريك التجارة المحلي نسبة 51% من المشروعات الجديدة. في مصر، عادة ما تكون هذه النسبة قرابة 20%، ولكنها لا تزال توفّر للسياسيين والحلفاء القريبين في الجيش مصدرا لأرباح ضخمة، بدون تكاليف تأسيسية وبالقليل من المخاطرة.

وقال: "لا يكاد يوجد مشروع لا يحتاج إلى أحد الرعاة، وكان مبارك في موقع متميز يسمح له بالاستفادة من أي صفقات يتم عرضها."

"الكثير من أمواله في حسابات ببنوك سويسرا أو متجمدة في عقارات في لندن. هذه هي الاختيارات المفضلة لزعماء الشرق الأوسط، ولا يوجد سبب يجعلنا نعتقد أن مبارك يختلف بأي شكل. منزل جمال في ويلتون بليس هو، على الأرجح، قمة لجبل من جليد."

ذكرت صحيفة "الخبر" سلسلة من كبرى الشركات الغربية تشارك عائلة مبارك في رأسمالها وتدر أرباحا تقدّر ب 15 مليون دولار أمريكي سنويا.

ويؤكد علاء الدين الأعصر، مؤلف كتاب "الفرعون الأخير: مبارك والمستقبل الغامض لمصر في عصر أوباما"، أن آل مبارك يمتلكون العديد من المنازل في مصر، بعضها ورثوها من الرؤساء السابقين وعصر الملكية، وأخرى أمر الرئيس ببنائها.

والفنادق والأراضي حول منتجع شرم الشيخ السياحي هي أيضا مصدر لثروة عائلة مبارك.

هذه ترجمتي لمقال نشر بصحفية الجارديان، 4 فبراير 2011

http://www.guardian.co.uk/world/2011/feb/04/hosni-mubarak-family-fortune

Saturday, February 05, 2011

في صحيفة واشنطن بوست: ما الذي يجب أن يفعله مبارك قبل أن يستقيل


ما الذي يجب أن يفعله مبارك قبل أن يستقيل

حسام بهجت وسها عبد العاطي

القاهرة

كمواطنين مصريين، وكمدافعين عن حقوق الإنسان، كنا في الشوارع هنا، وفي ميدان التحرير، منذ يوم 25 يناير، من أجل كرامة وحرية كل المصريين. لا نريد أكثر من النهاية الفورية لعهد مبارك، الذي اتّسم بالقمع والتجاوزات والظلم. يبث فينا العزم تحوّل المجتمع الدولي من طلب "ضبط النفس" و"الاستجابة" إلى ترديد طلبنا إلى حسني مبارك بالتنحّي والانتقال الفوري نحو الديمقراطية.

ولكن حتى يبدأ انتقال حقيقي نحو الديمقراطية، يجب ألا يستقيل مبارك قبل أن يصدر قرارات، وفقا للدستور المصري، فقط يمكن للرئيس أن يصدرها. ليست هذه، ببساطة، مسألة فنّيّة قانونية؛ إنها، كما قال ناثان براون في تدوينته على موقع فورين بوليسي، السبيل الوحيد للخروج من أزمة أمّتنا السياسية.

ينص الدستور المصري على أنه في حالة استقالة الرئيس أو "خلو" منصبه بشكل دائم، يجب أن يحل محله رئيس مجلس الشعب، أو، في حالة عدم وجود مجلس شعب، رئيس المحكمة الدستورية العليا. وفي حالة عجز الرئيس مؤقتا على مباشرة اختصاصاته، ينوب عنه نائب رئيس الجمهورية كرئيس مؤقت للبلاد. في كلا الحالتين، يجب أن يتم انتخاب رئيس جديد في مدة لا تتجاوز ستين يوما. النقطة بالغة الأهمية هي أن الدستور يمنع الرئيس المؤقّت من إجراء تعديلات دستورية، أو حل مجلس الشعب، أو إقالة الوزارة.

إذا لم يعد مبارك اليوم متاحا للقيام بدوره كرئيس، فالرئيس المؤقت سيكون واحدا من اثنين. إذا قرر أن يغادر البلاد، مثلا، "لأسباب علاجيّة" سيكون الرئيس المؤقت هو عمر سليمان، المدير السابق للمخابرات العامة، الذي تم تعيينه مؤخرا نائب للرئيس. المصريون، خاصة هؤلاء منا الذين يطالبون بإنهاء حكم مبارك الذي استمر ثلاثين عاما، يرون سليمان بوصفه "مبارك الثاني"، خاصة بعد الحديث المطوّل الذي أجراه بالتليفزيون المصري يوم 3 فبراير، الذي اتّهم فيه المتظاهرين في ميدان التحرير بتنفيذ أجندات خارجية. لم يبالي حتى بأن يخفي تهديداته بعقاب المتظاهرين.

من ناحية أخرى، إذا ضُغط على مبارك حتى يستقيل فورا، سيكون لدينا حتى من هو أسوء ليكون رئيسا مؤقتا: فتحي سرور، الذي يعمل رئيسا لمجلس الشعب منذ عام 1990. وظّف سرور طويلا خبرته القانونية للحفاظ على ترسانة القوانين الجائرة والإضافة لها – القوانين التي استخدمها نظام مبارك ضد الشعب المصري. وحيث أنه ولا سليمان ولا سرور سيمكنه أن يعدّل الدستور في فترة الولاية المؤقتة، فالانتخابات الرئاسية التالية سيتم إجراءها تحت القوانين الانتخابية المقيّدة على نحو فاضح، التي وضعها مبارك عام 2007. سيضمن هذا فعليا عدم وجود أي مرشح معقول يمكنه أن ينافس الرئيس المؤقت.

لهذا، فقبل أن يستقيل مبارك يجب أن يوقّع قرارا رئاسيا يفوّض بموجبه كل صلاحياته لنائبه، حتى تنتهي مدتهما الحالية في سبتمبر. أصدر مبارك قرارات مشابهة يخوّل بها سلطاته إلى رئيس الوزراء، عندما دخل المستشفى عامي 2004 و2009. بالإضافة لهذا، يجب أن يصدر مبارك قرارات يرفع بموجبها "حالة الطوارئ" التي سمحت له بقمع الحريات المدنية للمصريين منذ عام 1981 ويأمر بها إطلاق سراح أو محاكمة هؤلاء الخاضعين للاعتقال الإداري بدون أي اتهام – يقدّر عددهم بالآلاف.

وأيضا قبل استقالة مبارك، ينبغي أن تتولى لجنة مستقلة من القضاة المحترمين، وخبراء القانون الدستوري، وممثلي المجتمع المدني وكل الحركات السياسية، صياغة لغة تعديل الدستور للتأكد من أن الانتخابات الرئاسية ستكون مفتوحة لكل المرشحين المعقولين؛ وأن المصريين بالخارج سيسمح لهما – لأول مرة – بالتصويت؛ وأن أي رئيس منتخب سيسمح له بالاستمرار بمنصبه لفترتين رئاسيتين فقط؛ وأن الانتخابات سيشرف عليها مراقبون قضائيون ومدنيون. أغلب هذا يعمل على إزالة الضرر الذي تسبب فيه مبارك بتعديلاته الدستورية عام 2007.

هذه التعديلات يجب أن يتم تقديمها للبرلمان، وطرحها للاستفتاء الشعبي في الحال. مزاعم سليمان بأن الوقت قصير ليس لها أساس وتفتقر للأمانة؛ من أربعة سنوات، قام مبارك وحزبه الحاكم بتعديل 34 فقرة في الدستور في شهرين فقط.

بعد ذلك، يجب تعيين حكومة انتقالية متعددة الأطياف لخدمة الشعب حتى يتم انتخاب رئيس، والأهم من ذلك بغرض الإشراف على الرئيس المؤقت. يجب أن تحتوي هذه الوزارة ذات القاعدة الواسعة على ممثلين محترمين من كل القوى السياسية بالدولة. متى تم انتخاب رئيس جديد، يمكننا أن نتحرك نحو صياغة دستور يكفل تحوّل مصر من الديكتاتورية إلى الديمقراطية ويحفظ المساواة الكاملة وكافة حقوق الإنسان. سيتبع ذلك انتخابات برلمانية حرة ونزيهة.

هناك ثلاثة عناصر إضافية لا غني عنها لينجح هذا الانتقال: أولا، الإشراف المدني على الشرطة وقوات الأمن سيوقف التجاوزات، ويضع المتجاوزين موضع المسائلة، ويساعد على ضمان أمن هؤلاء الذين يشاركون في الثورة الديمقراطية. تأسيس مجلس أمناء مستقل لتليفزيون الدولة وإذاعتها للتأكد من الحياد في إذاعة البرامج وتمثيل كل الآراء السياسية. تعهّد حازم من الجيش بالعمل بمثابة قيّم محايد على الانتقال يخدم مصالح الشعب وليس النظام الذي فقد شرعيته، وهو أمر شديد الأهمية.

دفع المصريون ثمنا باهظا في الثلاثين عاما الماضية، ودفعوا حتى ما لا يمكن تعويضه منذ بدأت هذه الثورة. دعونا ننهي حكم مبارك بالطريقة الصحيحة حتى يمكننا بناء مستقبل أفضل.

حسام بهجت وسها عبد العاطي هما، على الترتيب، المدير التنفيذي والمديرة المساعدة للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية (www.eipr.org).

هذه ترجمتي لمقال نشر في صحيفة واشنطن بوست، 4 فبراير 2011

https://www.washingtonpost.com/wp-dyn/content/article/2011/02/04/AR2011020404123.html

Friday, February 04, 2011

أهداف سويف بصحيفة الجارديان: النظام المصري يطلق بلطجيّته مرة أخرى


أهداف سويف بصحيفة الجارديان: النظام المصري يطلق بلطجيّته مرة أخرى ...
عندما استيقظت على أصوات نفير السيارات، عرفت أن هناك شيء ما ليس على ما يرام. كان هناك جو من الهدوء والسلام في الأيام القليلة الماضية، حتى أننا بدأنا نرى الخفافيش مرة أخرى، بينما تحط وتطير من على أشجار الفاكهة وقت المساء. لم تكن هذه هي الضوضاء المعتادة لمرور القاهرة؛ كانت عدوانية، ومنتظمة، ومتواصلة، مثل ما يحدث بعد مبارة لكرة القدم .. أقرب لضوضاء مسيرة الجموع.

من خارج نافذتي رأيت الحشد يسير على كوبري 15 مايو. كان غريبا: جماعة مؤيدة لمبارك تبدو في سيرها أكثر خضوعا لنظام صارم – وأقل تحضّرا بكثير: تلوث سمعي، وإيماءات بذيئة في الشارع، وعِصِي، وهذا السلوك – وفي الوقت نفسه لافتات مكتوبة بإتقان بالغ، و"متعهّدين" ينظّمونهم ويقودونهم.

قبل ظهر اليوم كانوا قد بدأوا في مهاجمة ميدان التحرير؛ تتواصل الهجمات بينما أكتب الآن. تأتيني الأخبار بانتظام من الميدان من ابني، وبنات أختي، وأختي، وأصدقاء آخرين في قلب الحدث. الناس التي كانت ليلة الثلاثاء تستمع للموسيقى وتتجادل بخصوص أشكال الحكومة تخاطر الآن بأجسادها. إنها كل ما لديهم. أما الناس المؤيدة لمبارك، فلديها، بالطبع، عصي، وحجارة، وسيوف، وجنازير، وكلاب، وعربات نقل و ... الجيش يقف مكتوف الأيدي ولا يفعل شيئا.

إذن، من هم هؤلاء الناس؟ في دعمهم للرئيس، يقذفون بزجاجات المولوتوف، وأواني الزهر، من فوق أسطح البنايات، على رؤوس النساء والأطفال. من أجل توطيد الاستقرار والنظام، يكسرون الرؤوس بالصخور، والأرجل بجنازير الدّراجات. ليقولون كلمتهم في الجدل الدائر، يشرطون الأوجه بالسكاكين. من هم؟ حسنا، في كل مرة يتم القبض على أحدهم تقول بطاقة هويّته أنه أحد أفراد قوات الأمن. وببساطة، يسلّمه الشباب الذين يقبضون عليه للجيش الذي يقف مكتوف الأيدي.

هكذا، مرة أخرى يظهر النظام الحاكم تفاهاته؛ ولأنه غير قادر على أن يأتي بأي شيء لائق أو مبتكر، يلجأ إلى مزيجه المعتاد من الوحشية والأكاذيب. ليلة الثلاثاء أتى الرئيس مبارك في التليفزيون وفي سلوك به تعالٍ على بقية الدولة زعم أن المصريين يستحوذ عليهم الخوف، وتظاهر بأن نظامه، الذي كان يعمل على تنمية الدولة بينما يسرق الخبز من أفواه شعبها، صار الآن، فجأة، جاهزا لأن "يستجيب لمطالب شبابنا". وذكّر الناس بتاريخه (القديم الآن) كطيّار بالقوات الجوية وأضاف شيئا يثير الدموع يتعلّق بكونه رجل عجوز يريد أن يموت في بلده.

وفي الصباح التالي، لم تكن قد مضت 12 ساعة على النداء العاطفي للرئيس، عندما أطلق النظام بلطجيته في الشوارع. نفس التكتيكات التي كانت تستخدم ضد المتظاهرين على مدى السنوات الخمس الماضية – نفس التكتيكات التي استخدمت في الانتخابات الأخيرة لترويع الناخبين في الشوارع – ظهرت وبشراسة مضاعفة. هذا هو النظام الذي سوف يستمع للناس ويستغل الأشهر المقبلة للعمل على الإصلاحات. لا ريب.

ستكون خدعتهم التالية قولهم أن الشباب في التحرير عناصر "أجنبية" .. أن لهم صلات بالـ "إرهاب" .. أنهم زاروا أفغانستان .. أنهم يريدون زعزعة استقرار مصر. ولكن الآن، العالم كله يعلم أن هذا النظام يكذب بنفس السهولة التي بها يتنفس. ما الذي ما قالته مغنية أوبرا أمريكية أولى، ذات حسّ أدبي، عن أخرى؟ 'كل شيء تقوله كذب، حتى الـ "الواو" والـ"ألف لام"؟'

الناس هنا تسبق حكومتها بكثير. إذا أمكنك أن ترى كيف يخبرك الأطفال في الشارع أن النظام يريد أن يلقي بمسئولية هذه الحركة على الإسلاميين لكي يخيف الغرب – بينما كانت قد بدأتها في الحقيقة 11 مجموعة شبابية على موقع فيسبوك، وفقط واحدة منها ذات صبغة دينية، وعلى نحو بالغ الاعتدال .. إذا أمكنك أن ترى المستشفى الميداني الصغير الذي أقامه أطباء متطوعون – أغلبهم طبيبات شابات – ليعالج الناس، والأدوية التي تنهمر من أهل الأماني الطيبة .. إذا أمكنك أن ترى الشباب بسراويل الجينز المتدلية وقمم بوكسراتهم بادية للأعين وهم يكوّنون سلسلة بشرية لحماية ما كسبته الناس على مدار الأسبوع الماضي في التحرير .. إذا أمكنك أن ترى بنات أختي بشعرهن الذي ينساب كرايات النصر وهن يرسلن التويتات [رسائل قصيرة بموقع تويتر] خائفات على حياتهن في وسط كل هذا ... ستعلم هذا بما لا يدع أي مجال للشك: مصر تستحق مكانها في الشمس – خارج ظل هذا النظام الوحشي.

أهداف سويف، مؤلفة رواية "خارطة الحب"، التي رُشحت لجائزة البوكر، والعديد من الكتب الأخرى. تعيش في القاهرة ولندن.

هذه ترجمتي لمقال نُشر بصحيفة الجارديان البريطانية، 2 فبراير 2011

http://www.guardian.co.uk/commentisfree/2011/feb/02/egyptian-regime-thugs-protesters