سيزيف مصري

في الأسطورة الأغريقية، سيزيف في الجحيم وعقابه أن يرفع صخرة من القاع حتي قمة جبل شاهق، وقبل أن يصل بقليل تسقط منه لأسفل، فيعود ليبدأ من جديد، بلا نهاية. ما أشبه ذلك بنا، أولادك يا بلدي

Sunday, January 21, 2007

عبد الكريم، خمسة سبتمبر، المدونون، الكفر بالجماعة


عبد الكريم، خمسة سبتمبر، المدونون، الكفر بالجماعة

كفرت بالجماعة. وربما أنه ليس الكفر الأول ولا الأخير
كانت أول تجاربي في العمل أو النشاط العام بعد وبسبب محرقة مسرح بني سويف سبتمبر 2005. كنت قريب جداً مما حدث، وكان من الممكن أن أكون أحد الضحايا لاهتمامي بمتابعة مهرجانات المسرح والموسيقي، الفن بشكل عام، لكن لم يكتب لي مشاركتهم الرحلة. لم أعرف أحدهم معرفة شخصية، لكني كنت اعرف بعضهم كنقاد أو ممثلين، ربما أني عرفتهم أكثر بعد ما رحلوا
.

عملت من أجل ألا تذهب دماء الضحايا هباء، وأن يعاقب المسئوليين الذين حددناهم في بياننا الأول، ومن أجل ألا يتكرر ذلك معنا، ومن أجل إطلاق لقب شهداء عليهم، عملت لأجل هذا في لإطار جماعة سميت باسم يوم الحريق "جماعة خمسة سبتمبر"، من مسرحيين وفنانين. وبعد ثلاثة أشهر وعشرة أيام خرجت منها كما دخلت وسط أحداث دراماتيكية، كان محصلتها وصولي لهذا اليقين، الكفر بالجماعة. وأنا أعني أي جماعة في مصر، وليس جماعة المسرح فقط. كانت تجربة قاسية لا أظنني أحب الحديث عنها مرة أخري.

ما ألمني هو أنه في مواجهة كارثة بتلك البشاعة يموت فيها أكثر 50 شخص محترقاً منهم مسرحيين ونقاد قريبون منا للغاية لدرجة تجعلنا نقدر قيمتهم أكثر من غيرنا، نفشل في تجاوز ذواتنا. لم نستطيع أن نأخذ ثأر من رحلوا ولا حماية أنفسنا من أن يحدث لنا هذا ثانية في مسرح آخر. وكلنا مذنبين، لا استثني أحداً. وبعد فترة اكتئاب طويلة عدت ثانية في تردد لمظاهرات كفاية واعتصامات القضاة. ثم انتهي الأمر. "شطارة الأمن"؟ احباطات الناس؟ سوء التنظيم؟ النتيجة كانت خواء واستسلام للأمر الواقع. التوريث أو الإخوان.

عندما وصلني بيان مصريين ضد التمييز الديني وقعت عليه، ورغم توجسي من نجاح أي "جماعة" في مصر، أعني أي تجمع لأفراد، لم استطع منع ميولي السيزيفية في البدء من جديد رغم جفاف الأمل. صارت قناعتي هي العمل كفرد وعدم انتظار حلولاً من أي جماعة، وانتظار أن تلتقي تيارات أو مجهودات فردية لتبني شيئاً. ربما لأنه من الصعب أن أجازف بفشل جديد.

في نهاية ديسمبر الماضي تم تحويل عبد الكريم نبيل إلي نيابة أمن الدولة. والتهمة أو القضية هي التدوين والكتابة، ما يدونه أو يكتبه وتراه المؤسسة أو الأزهر أو أمن الدولة تجديف أو ازدراء أديان أو قلة أدب.

عبد الكريم مدون. ربما هذا هو السبب الذي جعلني احرص علي متابعة قضيته باهتمام. صحيح أنه تم حبس الكثير من المدونين (علاء ومالك والشرقاوي وأسماء، مثلاً)، ولكن لم يكن السبب هو ما كتبوا أو يكتبون ولكن كونهم نشطين والقبض عليهم أثناء التظاهر أو الاعتصام. لن أقول أني مع ما قاله أو كتبه عبد الكريم، ولن أقول أني ضده، لا يعنيني أصلاً كوني معه أو ضده، يعنيني أنه متهم بحرية التعبير

لم يتفق المدونون مع الوقوف معه. بعضهم يري أنه يجب تربيته علي تجديفه، ولن أتجاوز إذا قلت أن بعضهم ضده، وضد الحرية المطلقة في التعبير "في النهاية نحن في مجتمع محافظ ويجب أن يحترم الجميع نفسهم". من الصعب أن يكون المرء موضوعياً.

المهم أنه رغم تجاوز موضوع عبد الكريم الفضاء السيبري إلي الواقع والقبض عليه في أمن الدولة، لم يتجاوز رد الفعل لدينا، المدونين، هذا الفضاء. تجد بانر أطلقوا سراح عبد الكريم علي مدونات كثيرة، وتدوينات عنه، ولكن كل هذا علي الانترنيت
.

المدونون لديهم مجتمع، يمكن تسميته مجتمع التدوين أو المدونين، بعضهم يعرفون بعضهم في الحياة وآخرون مجرد رابط أو تعليق علي الانترنيت. هل نظلمهم أو نجلد ذاتنا إذا قلنا أن مجتمعنا يحمل نفس مشاكل كل مجتمعات مصر المختلفة، وبأننا لم نستجيب لقضية زميلنا كما ينبغي؟ تعرفون حكاية "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"؟

لأنني استوعبت معني محرقة بني سويف جيداً لم يصيبني ما أصاب الناس من خبر تحرشات أو انتهاكات أول وثاني أيام عيد الفطر 2006 بوسط البلد. عدم التصديق، هستيريا البنات، البكاء، الرعب من الآتي؛ ثم البحث عن التفسير، السبب وراء كل هذا، لنتجاوز الصدمة: "الكبت"، "الفقر"، "الراقصة دينا"، "البنات"، "الليبرالية"، "وسط البلد"، "السينما"، "غياب الأمن"، "شباب المناطق العشوائية"، "غياب قنوات التفريغ". تلك كانت اقتراحات البعض بالتفسير. وبالمثل، لن يصيبني ما سيصيب المدونين في المرة القادمة، عندما يتم القبض عليّ أو أي مدون آخر، وحبسه مدي الحياة، بعد التخفيف. هل يستبعد وجود حكم بالإعدام؟ ربما أن هناك سيناريوهات سياسية مستقبلية يمكنها تمرير ذلك دون مشاكل

كل مجتمع – مثل كل فرد – في نظري، يأخذ ما يستحق من حقوق أو امتهانات. تخبرنا الاحصاءات عن ما يزيد عن عشرة آلاف مدونة ومدون في مصر. لم يحضر منهم محاكمة عبد الكريم إلا اثنين.

لا فرق بين الأمس واليوم، وربما لن يكون بين اليوم والغد، لا يستطيع الناس تجاوز ميولهم وذواتهم حتى إزاء أحداث بمثل تلك الاستثنائية: تهمة الكتابة. أو ربما يتعلق الأمر بفشل الجماعة بشكل عام في الوصول لحل، للتربية "الوسخة" التي لا تدع مجالاً لموقف متحضر وحقيقي من الآخر. فما هي إمكانية، مثلاً، وجود تنظيم أو تجميع للمدونين في الواقع مثل مجمع العمرانية السيبيري لمنال وعلاء؟ وهل له أن يحرز نجاحاً متجاوزاً لكفاية وشباب من أجل التغيير وخمسة سبتمبر؟

عبد الكريم والمدونون، ضحايا المسرح وجماعة خمسة سبتمبر، السيد حافظ والمسرحيون ، هل سنضيف لهم خليل كلفت والمثقفون؟

وبدون تعليق:
1

"وعلمت أن الشمس لم تعبر بقريتي.. ولا مر القمر
بدروبها من ألف جيل
ولا العيون تبسمت يوماً لمولود
ولا دمعت لإنسان يموت
فالناس من هول الحياة
موتي علي قيد الحياة!" نجيب سرور

2


نشرت جريدة الأخبار في 9 يوليو 2006 خبراً عن تعديل أحكام قانون العقوبات في قضايا النشر

مادة 178 مكرر ثانيا فقرة أولى يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنية ولا تزيد علي ثلاثين ألف جنية كل من صنع أو حاز بقصد الاتجار أو التوزيع أو الإيجار أو اللصق أو العرض صورا من شأنها الإساءة إلى سمعة البلاد سواء أكان ذلك بمخالفة الحقيقة أو بإعطاء وصف غير صحيح
.مادة 200 مكررا يعاقب علي إصدار الصحف أو المطبوعات أو غيرها من طرق النشر بالمخالفة للأحكام المقررة قانونا بالحبس مدة لا تقل عن ستة اشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة الاف جنية ولا تجاوز ثلاثين ألف جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين فضلا عن الحكم بمصادرة ما يصدر من الإعداد
-
تم تأجيل النطق بالحكم في قضية كريم للخميس القادم 25 يناير 2007
محكمة محرم بيه الجزئية بالإسكندرية - الدور الثالث - قاعة 4، لمن يهمه الأمر

Saturday, January 13, 2007

لانقاذ خليل كلفت! Save Khalil Kalfat life!


يعاني خليل كلفت، المثقف والناقد الأدبي والكاتب والمفكر السياسي والاقتصادي واللغوي والمترجم من الإنجليزية والفرنسية، من فيروس الكبد الوبائي سي الذي تطور منذ ما يقرب من عامين إلى 4 أورام سرطانية في الكبد. وقد ساهمت الدولة حينئذ بمساعدة، بقرار من وزير الثقافة ووزير الدفاع، ترتب عليها إجراؤه عملية قسطرة كيميائية للكبد في المستشفى العسكري بالمعادي نتجت عنها استجابة كلية إيجابية. وقد انتهت مدة سريان القرار بعد ذلك واحتاج لتجديده فأحالته وزارة الدفاع للصحة دون أن يصل لشيء.

وفي نوفمبر الماضي تأكد وجود 3 أورام جديدة وعليه أجمع الأطباء على ضرورة القسطرة مرة ثانية على الأقل. جرت محاولات طويلة وصعبة فصدر قرار جديد بمبالغ ضئيلة، لكن خليل أجرى العملية على نفقة أصدقائه، وقد تأكد أخيرا أن الخلايا السرطانية هذه المرة مختلفة عن سابقتها. فالأولى متحوصلة وبطيئة ومنحصرة داخل الكبد أما الثانية فمتشعبة وقابلة للعودة خلال شهر من تاريخ آخر قسطرة (20 ديسمبر 2006) بنسبة 80-85% وفي حال عودتها سيكون هناك تهديد حتمي بالانتشار خارج الكبد.

إن الحل الوحيد لإنقاذ حياة خليل كلفت الآن هو زراعة كلية للكبد، وهي الجراحة التي لا تجرى داخل مصر، وينصح الأطباء بالتوجه إما للصين وإما لفرنسا، والتكلفة في البلد الأولى حوالي مائة ألف دولار وفي الثانية مائتا ألف دولار (أي حوالي 600 ألف جنيه مصري أو مليون جنيه مصري على الترتيب)، وهي مبالغ خيالية بالنسبة لخليل كلفت وهينة بالنسبة لمؤسسات الدولة، وليست كثيرة أبدا على شخص أعطى بلاده ولغته وثقافته الكثير في مجالات مختلفة ومن مواقع مختلفة كما خدم العالم العربي بتعريفه بثمار الفكر والإبداع من العالم ولم يهتم خلال ذلك بتكوين ثروة، وما زال لديه الكثير ليقدمه إذا أردنا وتمكننا من رد بعض جميله وتقديم العون له ليجتاز هذه المحنة.

وبعد توفير المبلغ المطلوب لا زال أمامنا السعي لحجز مكان في قائمة انتظار طالبي زرع الكبد في إحدى الدولتين، والعثور على كبد مطابق للنسيج الكبدي لخليل، وهو وقت وجهد ليتنا نوفره على خليل فتكفيه آلام المرض والعملية المرجوة لشفائه ونجاته.

لقد بدأت حملة تبرعات من أجل تغطية مصاريف علاج خليل، ولكن هذا لا يعفي الدولة من مسئوليتها، وإذا تحركت اليوم لعلاجه على نفقتها سيكون ذلك أفضل من أن تتحرك غدا. وكلما جمع المبلغ سريعا كان أفضل. لابد من جمع المبلغ في شهر، مضت منه الآن بالفعل عدة أيام، وربما كان الفارق بين لحظة أخرى حياة مناضل ومبدع وعقل مصري.

بالدولار الأمريكي:
رقم الحساب: 11/51189
لحساب: خليل سليمان محمد أحمد
البنك الأهلي المصري، 6 أكتوبر، الحي المتميز
رقم السويفت: NBEGEGCXA182

بالجنيه المصري:
رقم الحساب: 36/51189
لحساب: خليل سليمان محمد أحمد
البنك الأهلي المصري، 6 أكتوبر، الحي المتميز

للاتصال: (8351092)00202
(0103488138)002
الموقع الالكتروني:
http://khalilkalfat.org

نرجو منكم تمرير هذه الرسالة لكل من يهمه الأمر


Save an Egyptian Mind!

Khalil Kalfat, the intellectual, literary critic, writer, political and economic thinker, linguist and translator from English and French, suffers from hepatitis C which progressed 17 months ago into 4 malignant tumors in the liver. The state helped in the beginning, through two decrees issued by the Ministers of Culture and Defense, funding an operation of liver chemoembolization at Maadi Military Hospital . There was an overall positive result, but the decree expired after that and needed renewal. The Ministry of Defense transferred him to the Ministry of Health but nothing was done.

Last November 3 new tumors were detected and doctors agreed that at least a second chemoembolization was needed. A long and difficult effort for a second decree ensued and resulted in a new decree allowing for a very small amount of money. The chemoembolization was finally done with the financial help of friends. It was discovered that the cancerous cells are different this time. The first group was follicular, slow growing and restricted to the inside of the liver. This new group of clusters is ramified and expansive and there is an 80-85% chance that they would reappear within a month of the last chemoembolization (done on December 20th 2006). If they reappear there is a serious threat of metastasis, i.e. spread outside the liver.

The only way to save Kalfat's life now is a whole liver transplant. An operation that is not available in Egypt at the moment. Doctors have advised that it should be done in China where it will cost 100,000 dollars or France where it will cost 200,000 dollars (above half a million or one million Egyptian Pounds respectively). These expenses are exorbitant for Kalfat but trivial for the state institutions. This is not much to give back to a person who contributed a lot not only to his country, his language and his culture, but also the Francophone, Anglophone and Latin American cultures, and the world's Left, in different fields and from different positions. He has also served the Arabic speaking world by introducing to it, the fruit of thought and creativity from around the world. Throughout all this he did not care to accumulate a fortune. He still has a lot that he can offer if we were willing and able to offer him the help he needs to get over this ordeal.

After collecting the needed sum of money we still have to seek a place in the waiting lists for liver transplants in one of the two countries, and then actually finding a matching liver. This will take time and effort that we should spare him, as the pain of his illness and the expected operation essential for his wellbeing and survival are more than sufficient burden.

The campaign to collect the expenses of the operation has started but this does not acquit the state of its responsibilities. Official swift interference is crucial and the speedy collection of funds is essential. The full amount should be collected within ONE month of the second chemoembolization and many days have already gone by. The life of a great Egyptian activist and thinker is at stake and every minute counts.

Donations in US Dollars:
11/51189
Account holder : Khalil Soliman Mohamed Ahmed
National Bank of Egypt , 6 October, Al Motamayyez District
Swift number: NBEGEGCXA182

Donations in Egyptian Pounds:
36/51189
Account holder: Khalil Soliman Mohamed Ahmed
National Bank of Egypt , 6 October, Al Motamayyez District

For contact:
(+202) 835 10 92
(+2) 010 348 8138

Web site:
http://khalilkalfat.org

We ask you to forward this message to all who may be concerned

Saturday, January 06, 2007

في اللعب مع المدونين





في اللعب مع المدونين

مما لا شك فيه أن ظاهرة التدوين تفتح آفاق رحبة للتأمل واللعب. رحبة وممتدة رحابة التدوين ذاته، التدوين ذلك المتنامي وغير المتناهي. إن التدوين ليس هو ذلك الفعل المنفلت بامتياز من عقال المؤسسة الأمنية فحسب، بل إنه كذلك هذا الفضاء المنفلت من أسر كافة المؤسسات الثقافية والسياسية والاجتماعية المألوفة. لا ليكون بذلك مجرد إفلات هروبي، بل يتجاوز هذا الآفق، فيكون انفلات مواجهة لتلك المؤسسات. وليكون معول ضارب في عمق تحصينها الاستراتيجي ذاته -بقدر لم يسبق لنا مصادفته في تاريخنا الحديث برمته- وهو إذ يفعل لا يرفض فحسب الإجابة على تساؤلاتها –أعني المؤسسات المألوفة- يرفض تساؤلاتها الاستنكارية بشان حقيقة وجدوى وجوده، بقدر ما يهبها هو في المقابل ورقة أسئلة من طرفه تكون هي الملزمة بالإجابة عليها وفي كل ثانية.

يرجع البعض فكرة التدوين إلي عام 1997 عندما بدأ جون بارجر، مبرمج الكومبيوتر الشهير، بوضع تعليقات وتجديدها يومياً على موقعه الالكتروني. وكانت بمثابة جريدة يومية يحررها فرد واحد. و لتكون بذلك تنويعة جديدة على روبنسون كروزو –رائعة دانييل ديفو؛ والتي تعرض لمكوث روبنسون الناجي من غرق سفينة، وحياته بمفرده على جزيرة، بما يولد ذلك في نفسه معزولاً وسط البراري، من تأمل للمشروع الحضاري الإنساني برمته وقذاك-. وإن كان التأويل الأكثر شهرة للرواية ربط بينها وبين غربة إنسان تلك اللحظة وجفاف مورد التواصل الجمعي في لحظة انبثاق الثورة الصناعية على وجه التحديد. فإن بعض صناع الخيال العلمي وجدوا مقاربة طازجة لذلك بحالنا الراهن.

وجدوها في الإنسان الجالس على لوحة مفاتيحه في جزيرة معزولة عن العالم، ليتأمل العالم، ويحاكمه، بل يحكمه -ولو بعد حين وفقاً لشطحاتهم-. ومن منا لا يذكر شخصية المخرج في الفيلم الأمريكي ترومان شو والتي لعبها الرائع إد هاريس؟! حيث صنع كون كامل لترو مان/جيم كاري ومنذ لحظة مولده، وجلس ليدير هذا العالم من خلف شاشة كمبيوتره.. يهمنا في هذا المقام، ما كشفه الفيلم من بعد. لقد كشف عن عزلة ذلك المخرج الداخلية العميقة، والتي أراد أن يجنبها لإنسان ما، ليكون هو فاقد الشيء الذي أراد أن يعطيه!

و بعيداً عن هذا الاستغراق نركز فقط على صورة الإنسان المعزول عن الآخرين وسط جزيرته المجازية الخاصة أما شاشه كمبيوتره، المعزول لكنه ليس أي معزول أنه المعزول المتحكم. و هي صورة ألمح إليها مفكرون معاصرون كثيرون ما بين محذر ومروج.. على أي حال تحققت هذه النبوءة بفعل التدوين. فجون بارجر حين عن له أن ينشر يومياً آرائه حول الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، خطا خطوة هامة في هذا الاتجاه. وأطلق على ممارسته وقتها أسم هو (ويب لوج)، دمجت لتصبح (ويبلوج)، ثم بلوج، ثم ترجمت إلي العربية بمدونة، والفعل تدوين، والفاعل مدون
..
دعونا ننطلق من صورة هذا المعزول/المتحكم والتي تمثل أيقونة فعل التدوين. فننقر عليها بالمؤشر ليتوافد إلى الذهن ما يلى:المدون بكونه معزول/متحكم ألا يشبه معزول/متحكم أخر، يطلق عليه في فضاء التحليل النفسي (اللاوعي).؟!

نعم. إنه هذا الكامن الرابض تحت السطح، ويقذف إليه بما يستعصي على المجتمع تقبله. فيضيفه إلي الحمم البركانية الموجودة أصلاً. ثم يتحين هو اللحظة المناسبة في غيبة الرقيب الواعي في حالات معينة..مثل؛ الحلم/زلات اللسان/السكر والتخدير/الجنون، فيخرج من حممه ما عن له إخراجه. ودعنا نربط بين فعل التدوين وتلك الممارسات لنكتشف الكثير ولنأخذ مثال المقاربة بالحلم..الحلم.. ثمة تضاد فعال بين قيمتين في الحلم، هما قيمتي الإخفاء والإفشاء. فالحالم يريد بالحلم أن يقول شيء ما. ويريد لا-وعيه أن ينقل رسالة قد تكون تحذيرية أو تنويهية أو أي ما كانت طبيعتها له. غير أن هذا الرسالة لا يمكن ذكرها ببساطة. إن اللاوعي يستخدم آليات معينة في عرض رسالته تلك، الغرض من استخدام تلك الآليات إخفاء هذه الرسالة على نحو ما. فهو يشوه ويبدل ويغير ويحذف ويضيف، يفعل كل ذلك حذراً منه ورغبة في طمس معالم هذه الرسالة. بالرغم من أنه هو مطلقها. و هو أمر يعرفه من يمارسون تأويل الأحلام. فبالرغم من أن الحالم يفشي لك حلمه بإرادته، لكن لا-وعيه يخفي الكثير، فهو يستبدل في الحلم زمان بزمان، ومكان بمكان، وشخص بشخص، وحقيقة بحقيقة مثل صلة قرابة بصلة..إلخ.. ولسان حاله يقول: (أريد أن أكشف لك نفسي، بشرط أن أخفيها حتى عنك)..

دعونا نسحب هذا السلوك على فعل التدوين، تتصارع ثنائية الإفشاء/الإخفاء في سلوك المدونون.. ويعزو البعض الأمر لأسباب أمنية. غير أن هذا ليس إلا جزء من الحقيقة في تقديرنا. فنفس الظاهرة موجودة بل وبكثافة في مجتمعات يخف فيها السعار الأمني. ولنتعمق أذن قليلاً في الأمر..لسان حال المدون ينطلق من (أنا لدي ما يقال.. لكن ليكن هذا الذي أقوله هو أنا بالنسبة لك، ماذا يهمك في شخصي، لديك من قنعاتي وفكري ورؤيتي ما أريد أن أمنحك إياه، ألا يكفيك ذلك؟!لماذا تريد أن تستلبني حقي في الخصوصية؟!) ولكن ما أقسى أن تجلس على المقهى فتسمع تعليقات الإعجاب أو الاستنكار على ما كتبته، فلا تشتبك مع ما حدث، ومن تحدث، بالرغم من رغبتك في ذلك، حرصاً على سريتك. ومن قال أن الأكثر سرية هم الأكثر شهرة.. وبالرغم أنه وبإجراءات يسيرة يمكن أن يحيط مدون نفسه بسرية كاملة -لو أنه أراد-.. لكن القيمتان تصطرعان، ويحلق السؤال الوجودي.. فما جدوي وجودي دون معرفة المخاطب بي؟! إنها حالة أشبه بالفنان الذي ينتقد الجماعة و لا يطربه إلا تصفيقها.. وهو أمر سنعود إليه لاحقاً..

الأمر نفسه ينسحب على زلات اللسان والتخدير والجنون فكما وجدنا صراع ثنائية الإخفاء والإفشاء، نجد ثنائيات تنبثق منها سواء في مسار العلاقة مع الأنا/الذات أو مع المتلقي/الآخر، منها ثنائية التواصل والعزلة، ثنائية الحميمية والقطيعة، ثنائية التغيير والقنوط، ويتردد صدى تلك الثنائيات تقنيا كذلك فلديك مثلاً؛ ثنائية الفصاحة و التعلثم، ولنا هنا وقفة.. ولأننا هنا ننطلق من المظهر الخارجي لننفذ قدر المستطاع لما هو تحت السطح.. نركز على ثنائية الفصاحة/التلعثم والتي يمكن ملاحظتها بسهولة من قبل متصفحي المدونات..تكشف تلك الثنائية أول ما تكشف عن رغبة لدى المدون دائماً في انتهاك أعراف الكتابة، صحة اللغة، بلاغة الخطاب.. ففي أحد المدونات تجد تعبيرات تخص الكلمات ذاتها وتتلعثم وهي تعرضها مثل "مجرد كلمات جديده اود الا تكون كمن سبقوها حمقاء" أو "وبالنسبة لحكمة الأسبوع الماضي ففي عز الكلام، سكت الكلام، وأتريني ماسك الهواء بإديا" أو " لم يبق في اللغة هامش للاحتفاء بما نحب فكل ما سيكون كان".. وعشرات النصوص القصيرة من هذا القبيل.. المتأمل يكتشف أن التلعثم البادي ليس عن قصور أو عجز، بل هو موقف من هذه الأشياء المحصنة عموماً وعلى رأسها اللغة والخطابة والكتابة الحصينة عموماً، والحصينة بشكل خاص في ثقافتنا..
أنه موقف -حسب تعبير سيروقهم في تقديري- موقف من (الكلام الكبير). أعود فأؤكد أنها ليست عن عجز أو قلة حلة، أو فقر تحليل، فتحت قشرة الاستسهال الظاهري، يجد المدقق كتلة متماسكة حيوية حاشدة. وبلاغة جديدة و طازجة تستبدل الكلمة بالصورة، والتعالمية بالتفاعلية، والتحقيق بالتعليق، والحكمة بالقفشة. وهي وسط ذلك لا تدعى أبداً امتلاك المعنى بقدر ما تشاكسك كمتصفح للمشاركة في استكشاف هذا المعنى بل وتكوينه على نحو ما. وبديهي أن هذا الملمح الجدلي يتفاوت من مدون لآخر، فأرباب القلم من المدونين من الكتاب والصحفيون نلاحظ أنهم مازالوا يجيبون ويمتلكون المعرفة/الحكمة، أكثر منهم يلتمسون الطريق إليها ويسألون بإيقاع وحساسية عصر التدوين. ففعل التدوين بالنسبة لهم لا يعدو أن يكون (تحديث) لا (برنامج جديد) حسب التعبيرات الكمبيوترية. لاحظ نبر جيل سابق عند التعرض لمسألة تخفي المدون إذ يقول:"أكثر ما يقلقني، شخصياً، هو قدرة صاحب المدونة على كتم هويته، مما يفتح باباً عريضاً للتساؤل هل هو من يقول؟ وهل هو من البلد الذي يدّعي مواطنيته؟ وهل نيته سليمة فعلاً، أم انه يبث دعاية سوداء ضد إفراد أو دولة بعينها أو دول؟" ومع شرعية هذا القلق وحكمته لم نجد له أي صدي أو فاعلية لدى المدونون لأنهم وببساطة سيقولون: وبناء عليه؟!، ولذا؟!، وعليه؟!، ما المطلوب على وجه التحديد؟!، أين عقلاء النت ليفتونا في هذا الأمر؟!..
إن مفهوم الوصاية النسبية التي يمتلكها صاحب الكلمة على الجمهور تخفت تماماً في هذا الوسيط، وعلى المتلقي تقع المسئولية الكاملة وللمرة الأولى. إن حيثيات ومؤهلات المدون ليست موضع مسألة. انه ليس الشيخ الذي يفيض على المريد بمعارفه، ولا هو المعلم الذي يمنح الدارس من فيض علمه.. إنه أشبه بالفنان.. المدون أشبه بالفنان الذي يطرح ما لديه على متلقيه بصيغة غير متعالية. لكنه ليس أي فنان بل فنان الحضور الحيوي الذي يتلقى الرد المباشر على ما يقدمه.. هو فنان المسرح صحاب الحضور الحي والمرسل المتلقي بالحضور الحقيقي لمتلقيه. من هذا التماثل يأخذ التدوين دفعة أولى. فإذا ما أضافنا للمزايا المسرحية، ميزة تغيير الصورة السريع التي تمنحها السينما. لوجدنا دفعة ثانية تمنحها السينما للتدوين..
فإذا ما أضفنا إلي ذلك ميزة التحرر من محدودية المُعدة البشرية التي تعرف بالممثل الإنسان، في فضاء البنية المشهدية الكمبيوترية غير الاستحواذية لكانت فنون الـ 3dبل و الـ visual art عموما قد منحت التدوين دفعة ثالثة هائلة.. وإذا ما أضفنا إلي كل ذلك دفعة إضافة المتلقي المحتملة للعمل، وإذا ما غلى كل ذلك في مراجل واقعنا الخصب المثير.. لكان لدينا إمكانيات هائلة لحقل فني فريد.. لا نتنبأ به فحسب بل ونراهن عليه بالفعل.
ودعنا ننهي المقال بإضافة تعكس حدود الممارسة التدوينية ومنطقها عملياً، ولنجعلها على طريقتهم لعب يشف ويكشف وبلا تعليق.. يقول:-وائل عباس: كان فيه حد بيقبض عليه فأنا جريت وراءه وبأصور فبتوع الأمن.. يعني زعقوا فيّ وقالوا لي لو صورت هنكسر الكاميرا وبتاع، فجريت أمامهم وبعدين قمت مصور وبعدين قمت طالع جري، فالضباط قال للعساكر هاتولي ابن اللي مش عارف إيه ده وجريوا فعلاً مسكوني وضرب بقى وعض في اليد علشان أسيب الكاميرا وخربشة وكلام من ده وبعدين في الآخر أخذوا الكاميرا، فأنا رحت ورائهم إلى نقطة الشرطة وعملت هليلة طبعاً أنا عايز الكاميرا يا تحبسوني معها وحاجات زي كده.. يعني بس فهم كان كل همهم إن هم يمسحوا الصور اللي جوه الكاميرا، فيعني قعدوا يحاولوا جوه ما عرفوش فبعتوا لي واحدة أمين شرطة.. يعني يضرب معي صحبية وكلام من ده، فقال لي طيب الكاميرا إزاي وبتشتغل إزاي وفي فيلم ولا بتنزل على الكمبيوتر، فعقد حاكيت له بقى القصة وكلام من ده وبعدين رميت له بقى الطعم في النص، قلت له بس والنبي ما تشيلوش البطاريات علشان لو شلتوا البطاريات الصور كلها هتتمسح وقد كان.. يعني شالوا البطاريات ورجعوا لي الكاميرا وهم فاكرين إن الصور مسحت، أنا روحت البيت نزلت الصور وفضحتهم
ياسر علام