الغناء جريمة في عهد أمير الغناء ... عن الضبطية القضائية لنقابة المهن الموسيقية
في 9 نوفمبر 2015، منح المستشار أحمد الزند وزير العدل نقابة المهن الموسيقية صفة الضبطية القضائية، خلال اجتماع عقده مع الفنان هاني شاكر نقيب الموسيقيين، حيث أصدر الزند قرارا بمنح الضبطية القضائية – بالنسبة للجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام القانون رقم 8 لسنة 2003 في شأن نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، كلٌّ في دائرة اختصاصه – لثلاثة من أعضاء مجلس الإدارة بالنقابة قام بترشيحهم الفنان هاني شاكر: الدكتور رضا رجب وكيل أول النقابة وعميد معهد الموسيقى العربية سابقا، الموسيقار محمد أبو اليزيد وكيل ثاني النقابة وقائد الفرقة القومية، والدكتور علاء سلامة عضو مجلس الإدارة وأستاذ دكتور بمعهد الكونسرفاتوار.
ما هي الضبطية القضائية؟
تعطي الضبطية القضائية لهؤلاء الموسيقيين الثلاثة، أعضاء مجلس النقابة، الحق في تحرير محاضر ضبط لمن تثبت عليه جريمة تخص القانون رقم 8 لسنة 2003، فتكون لهم صلاحيات التفتيش والقبض، وأيضا تلقي الشكاوى والبلاغات من المواطنين وتحرير المحاضر، وجمع التحريات حول مرتكبي الجريمة، وقبول التبليغات وإرسالها فورًا إلى النيابة العامة.
ويسمح القانون لصاحب صفة الضبطية القضائية بالقبض على مرتكب الواقعة وعرضه على النيابة في حالة ضبط الجريمة “في حالة تلبس”. وحالة التلبس هذه تبيح للمارة، ناهيك عن أعضاء الضبط القضائي، حق “السيطرة” على الجاني وتقديمه للجهات المختصة لتقدمه للنيابة. ووفقا لقانون الإجراءات الجنائية، فلمأمور الضبط القضائي عند انتقاله في حالة التلبس بالجرائم أن يمنع الحاضرين من مبارحة محل الواقعة أو الابتعاد عنه حتى يتم تحرير المحضر وله أن يستحضر في هذه الحالة من يمكن الحصول منه على إيضاحات في شأن الواقعة، “وإذا خالف أحد من الحاضرين أمر مأمور الضبط القضائي وفقا للمادة السابقة أو امتنع أحد ممن دعاهم عن الحضور يُذكر ذلك في المحضر ويحكم على المخالف بغرامة.”
ما هي هذه الجرائم المشار لها؟
وفقاً للمادة 5 من قانون رقم 35 لسنة 1978، والتي تم تعديلها في 2003، فإنه “لا يجوز لأحد أن يشتغل بفنون… الموسيقى… ما لم يكن عضوا عاملا بالنقابة.”
ويجوز لمجلس النقابة التصريح بصفة مؤقتة لعمل محدد أو لفترة محددة قابلة للتجديد لغير الأعضاء العاملين.. “ويؤدي طالب التصريح للنقابة مقابل متابعتها تنفيذ العقد مبلغا من المال ـ حسب التصنيف الفئوي ـ لا يجاوز عشرة آلاف جنيه. وإذا كان طالب التصريح من غير المصريين يكون الحد الأقصى عشرين ألف جنيه. وتحدد اللائحة الداخلية لكل نقابة التصنيف الفئوي. ويحظر التعاقد أو التشغيل لغير الأعضاء العاملين بالنقابة أو غير الحاصلين على تصاريح عمل مؤقتة.”
“ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف أحكام المادة (5) من هذا القانون.”
إذن، فالجرائم المشار لها في قرار السيد وزير العدل هي الاشتغال بفنون الموسيقى (“الغناء بأنواعه المختلفة، والعزف بأنواعه المختلفة، والتأليف الموسيقي، والتلحين، والتوزيع الموسيقي، وقيادة الفرق الموسيقية، والتاريخ الموسيقي”) دون تصريح أو عضوية بالنقابة، أو التعاقد أو التشغيل لغير الأعضاء بالنقابة أو غير الحاصلين على تصريح.
ما مشكلتنا كممارسين لفنون الموسيقى مع هذا القرار؟
1- يعطي هذا القرار للنقابة وحدها الحق في الترخيص للمطربين والموسيقيين بـ “الاشتغال” بالموسيقى، ولم توضّح صيغة القرار أي فرق بين ممارسة الموسيقى كمهنة وممارستها كهواية أو للتعبير عن النفس من خلال الموسيقى والغناء، مما يسمح للنقابة بأن تمنع أي شخص من ممارسة حرية التعبير من خلال فنون الموسيقى، أو ممارسة الموسيقى كهواية، مما يخالف المادتين 65 و67 من الدستور المصري لعام 2014.
2- أن القانون صدر عام 1978 ولم يتم تعديله ليناسب المتغيّرات المعاصرة، فلم يتعرض للحالة التي فيها يكون الموسيقي هو المؤدّي أو المؤلّف وهو في نفس الوقت المنتِج، كما هو الحال في موسيقى الأندرجراوند أو الموسيقى البديلة. يتحدث القانون عن التعاقد وعن الاشتغال، بينما في حالات كثيرة لا يوجد تعاقد لأن الموسيقي هو نفسه المنتِج، فما الذي ستتابع النقابة تنفيذه؟ ولا يوجد ربح. فمن أين لممارسي فن الموسيقى دفع قيمة التصريح؟ رغم هذا لا توجد أي استثناءات بالقانون.
3- القيمة المالية للتصاريح تُحدد وفقًا لما أطلق عليه القانون “التصنيف الفئوي”، وتحدده اللائحة الداخلية للنقابة. لا توجد شفافية ولا معلومات متاحة بخصوص معايير تحديد التصنيف الفئوي وكيفية تحديد قيمة مبالغه. هل تحدد قيمة مبلغ التصريح حسب العقد؟ أو المسرح؟ أو سعر التذكرة؟ أو عدد الجمهور؟ أو مدى شهرة اسم الموسيقي أو الفرقة؟ ولا توجد معلومات أيضًا عن إجراءات طلب التصريح أو هل يمكن للنقابة أن ترفض إعطاء التصريح أم لا؟ وهل يمكن أن يكون سنويًا مثلا أم بالحفلة فقط؟
4- عقوبة ما أطلق عليه القرار “جرائم المخالفة لأحكام القانون” تتضمّن عقوبة سالبة للحرية، وهي الحبس من شهر إلى 3 أشهر، وهي أيضًا تخالف المادة 67 من الدستور المصري بأنه “لا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري”
5- يجبر القرار ممارسي فنون الموسيقى على الانضمام لنقابة الموسيقيين، مما يخالف مبدأ الحرية النقابية (التي هي الحرية في “عدم” الانضمام، و/أو الحرية في الانضمام) الذي أكّده الدستور المصري ومعاهدات دولية عديدة وقّعتها الدولة المصرية، منها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
6- يمكن أن يتم استخدام أحكام هذا القرار لتمتد سلطات النقابة وتحكّمها إلى الميديا التي يتم نشرها على الإنترنت، مثلاً على موقع يوتيوب وساوندكلاود، تحت ذريعة أنها تجلب أرباحًا إلى أصحابها، وبالتالي تدخل تحت مسمى الاشتغال بالموسيقى.
7- يُعدّ إرهاب ممارسي فنون الموسيقى من غير الأعضاء، على خلفية إمكانية حبسهم لمجرد ممارستهم لفنون الموسيقى وتعبيرهم عن نفسهم، أو اضطرارهم لدفع غرامة، تضييقًا حادًا بمقدوره إجبار الكثير منهم على الانصراف عن الغناء والموسيقى، ليساهم في ترك الفضاءات العامة في المجتمع المصري شاغرة من هذه الممارسات الفنية، في وقت ترتفع فيه كل الأصوات لنشر الفن والموسيقى لمواجهة الإرهاب، الذي لا ينتعش في بيئة فيها موسيقى وغناء، خاصة في المناطق التي لا تقدم فيها الدولة الخدمات الفنية، أو تقدمها بشكل هزيل. لهذا يمكن الزعم بأن روافد الإرهاب الكارهة للحياة هي المستفيد الأكبر من هذه الضبطية القضائية.
ما المشكلة في الانضمام للنقابة؟ لماذا لا ننضم، إذا كنا نمارس فنون الموسيقى؟
بخلاف أنه من حقنا عدم الانضمام وبدون أسباب، لا تُعد النقابة مؤسسة مهنية جذابة ينتظر فائدة أو مصلحة حقيقية من الانضمام لها – باستثناء تجنّب الأذى منها. في يوليو 2015، كان عدد من شاركوا بالتصويت في انتخابات نقابة المهن الموسيقية، في كافة فروعها في 15 محافظة مصرية، هو فقط 2145، من أصل 4398 لهم حق التصويت (أي سددوا رسوم اشتراكهم السنوي، وهو شرط التصويت للأعضاء العاملين)، أي أقل من 50% من عدد الأعضاء العاملين. أما عن آخر معلومة تم التصريح بها عن إجمالي عدد الأعضاء العاملين والمنتسبين، فهو 12 ألف عضو. لماذا يوجد الكثير من الأعضاء غير الفاعلين أو لماذا لا يسددون الرسوم السنوية إذا كانت النقابة تقوم بدورها؟
1- لا توفر النقابة للأعضاء أي استديوهات مجانية أو بأجر رمزي للبروفات أو التسجيل، أو مسارح مجانية لتقديم حفلات بتذاكر، ولا تنظّم مهرجانات أو حفلات، ولا يوجد دعم للإنتاج الموسيقي، ولا ورش أو لقاءات تعليمية أو لتنمية المعرفة أو للتبادل الثقافي الفني مع موسيقيين من الخارج، مما لا يعطي للانضمام للنقابة أي فائدة تعود بالنفع على الممارسين.
2- النقابة بها مشكلة ضخمة بالإدارة يمكننا تبيّن بعض أعراضها من الخارج، وتوحي بعدم وجود قواعد محددة بما يكفي لكي تقيّد قرارات الإيقاف التي تصدرها النقابة، وتوحي بعدم وجود سياسات معلنة للإنفاق المالي، وعدم وجود رقابة داخلية فعّالة. من هنا كان هناك مجال لوجود فساد إداري ومالي، كانت بعض الاتهامات المتبادلة به حديث الصحف والفضائيات في عام 2013، بين النقيبين السابقين إيمان البحر درويش ومصطفى كامل. هذا ما سمح على سبيل المثال في فبراير 2015 بأن يصدر قرار بإيقاف عضوية المطرب حمزة نمرة، “لاتجاهه السياسي ودعمه لفكر جماعة الإخوان الإرهابية” ثم نفي مصطفى كامل نقيب الموسيقيين (وقتها) علمه بالقرار وبالتالي تم إلغاؤه. وصرّح مصطفى كامل نقيب الموسيقيين وقتها على حسابه على تويتر أنه لم يكن يذهب للنقابة في الفترة الأخيرة وأنه ضد إيقاف نمرة، وأن توقيعه على القرار صحيح ولكن تم استخدامه دون علمه أو إذنه.
والحقيقة أن النقابة تقوم بمنع المطربين والمطربات من الغناء لأي سبب يراه السيد النقيب وجيهًا. فمثلاً، صدر قرار بمنع أصالة نصري من الغناء، في ديسمبر 2010، في عهد النقيب منير الوسيمي، بسبب “إهانتها المتكررة للموسيقار الكبير حلمي بكر”، وكذلك منعت المطربة اللبنانية رولا سعد “علي خلفية الخلافات التي نشأت بينها وبين المطربة اللبنانية هيفاء وهبي”، وكذلك شيرين عبد الوهاب في عهد النقيب إيمان البحر درويش، في فبراير 2012، لعبارات “مسيئة إلى نقيب الموسيقيين”. ومنع منير الوسيمي أيضًا الفنانة كارول سماحة من الغناء في مصر في أغسطس 2008، بسبب ما وصفه قرار النقابة بـ “وصلة من الرقص الساخن” خلال حفل لها في أحد المنتجعات السياحية في الساحل الشمالي، الأزمة التي انتهت بلقاء كارول سماحة مع منير الوسيمي لتوضيح سوء التفاهم، وفقا لبيان أصدره مكتبها، حيث أنها كانت ترقص نوعا “جديدا” من الرقصات لم يكن النقيب على علم به: “التانجو”.
3- هناك مسافة كبيرة بين ممارسة وتصورات مجلس النقابة والسيد النقيب عن الموسيقى والأغاني، وبين الموسيقى والأغاني التي توجد بالفعل في الشارع ويسمعها الناس، ولا توجد محاولات جادة لتقريب الفجوة أو محاولة البحث في سبب وجودها، مما يبقي الحال على ما هو عليه، ويمنع الموسيقى من التطوّر وحل مشاكلها العديدة.
4- الثقافة الغالبة داخل النقابة تتعلق بدور النقابة في تقديم المساعدات المالية لأعضاء النقابة وقت الأزمات وتنظيم المعاش والتأمين الصحي، رغم أن هذا هو فقط هدف واحد (رقم 7) من بين 9 أهداف تذكرها المادة 3 من القانون رقم 35 لسنة 1978، ولا يوجد أي انعكاس لبقية الأهداف في عمل النقابة، والتي منها رفع المستوى الفني والعلمي لأعضاء النقابة؛ وتوفير العمل للأعضاء؛ والمحافظة على التراث وتطويره وفقا لمقتضيات التقدّم العالمي، بما يجمع بين الأصالة والمعاصرة؛ والمساهمة في وضع مناهج تدريس بمختلف مراحل التعليم؛ وتنشيط الدراسات الفنية والإبداعية؛ وكفالة حقوق أعضاء النقابة في الأداء العلني.
رغم هذا، لا تؤدي النقابة هذا الدور الوحيد -الذي غالبًا ما يذكره السادة النقباء (رقم 7) -على نحو مقبول.
في حوار أخير للمونولوجست الجميل الراحل حمادة سلطان في مارس 2015 سبق وفاته بأيام، في لقاء مع السيدة إسعاد يونس في برنامج “صاحبة السعادة” على قناة CBC، تكلم عن تجاهل النقابة وعدم مساعدتها له في مرضه الأخير، نقابة المهن التمثيلية ونقابة المهن الموسيقية، حيث أنه كان عضوا بالنقابتين.
قال: “بيقولك بنخدم العضو. ما بيخدموش حد. بيكدبوا. محافظ كفر الشيخ محمد إبراهيم عجوة الله يرحمه. دفعلي 10 آلاف جنيه في عملية عيني. بأودي الريبورت للأفندية بتوع نقابة الموسقيين والأفندية بتوع نقابة التمثيلين ولا صرفوا لي تعريفة. وبعدين بيتكلموا ويزعلوا إن حنا بنهاجمهم. تزعلوا ليه؟ خلي حد فيهم يرد عليا لو كان إداني حاجة. وبعدين أنا أقولهم برضة حسبي الله ونعم الوكيل وربنا برضة يقويكوا على فعل الخير مش فعل الشر. بس.”
أصبح الغناء جريمة، ويمكن أن يُضبط المرء متلبسا بارتكابها، في عهد الفنان هاني شاكر، الملقّب بأمير الغناء العربي. صرّح بأن الضبطية القضائية كانت مطلبا قديما للنقابة، وأنه استطاع تحقيقه. بالفعل، ليس الأمر بالجديد. يعتقد أغلب أعضاء النقابة أن هذا القرار يدعمهم، بإيقاف منافسيهم من ممارسي المهنة من غير الأعضاء، وبالتالي تخفيف ضغط المنافسة بالسوق لصالحهم. ويعتقدون أن دخل مبالغ التصاريح التي ستجنيها النقابة سيذهب في النهاية لهم. يعتقدون أن هذه هي المشكلة الأكبر التي تواجههم: غير النقابيين. ربما. لكن ما لا توجد في سياقه “ربما”، هو اعتقاد آخر، أن صناعة الموسيقى المتردّية في مصر، تحتاج لأكثر من أذرع طويلة تستطيع إخراس أو القبض على ممارسي فنون الموسيقى أو أخذ نقود منهم (قيمة التصريح) نظير تركهم دون تحرير محاضر. لمواجهة أطنان النشاز التي تملأ شوارعنا ونعيش فيها، حتى صارت أسلوب حياة وصارت هي ذوق الناس، ولمواجهة المستوى غير اللائق للمعيشة الذي يعيشه موسيقيين أعضاء بالنقابة أو غير أعضاء، ولاسترداد الموسيقى المصرية لمكانتها المستحقة بصدارة الموسيقى العربية بعد أن اقتربت كثيرًا من الهامش، لكل هذا، تحتاج النقابة لأكثر من هذه الأذرع. تحتاج لقبول الآخر، الذي لا تفهمه، ولا تسمعه. تحتاج النقابة لحلول غير بسيطة، لمشاكلها غير البسيطة. تحتاج نقابة المهن الموسيقية وغيرها من النقابات الفنية في مصر إلى “الخيال”. وهو أمر لو تعلمون عظيم.
ملحوظة:
أقام المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وكيلا عن الملحن أيمن حلمي، دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، طالب فيها ببطلان قرار وزير العدل بمنح بعض أعضاء نقابة المهن الموسيقية صفة الضبطية القضائية بالنسبة للجرائم التي تقع بالمخالفة لقانون نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية. وهذا رابط به المزيد من التفاصيل.