البيان الختامي، ورسالة إلي "قلعة الحريات" سابقاً
بعد نجاح المؤتمر الذي عقدته مجموعة مصريين ضد التمييز الديني، مؤتمر الوحدة الوطنية الأول، والذي جرت فعالياته في حزب التجمع يومي 11 و12 إبريل، اكتب لكم "البيان الختامي للمؤتمر"، وكذلك مقالة ل د. سامر سليمان، "إلى زملائي في التي كانت قلعة الحريات"، يكتبها لصحفيي نقابته، نقابة الصحفيين، بمناسبة نجاح "صحفيين" في منع عقد المؤتمر بالنقابة بقوة العصي والشوم، ولكني انشرها للفائدة، لمن يهمه الأمر
ولا يخفي أن نجاح المؤتمر معناه فشل هؤلاء الذين كانوا يريدون تقسيم مواطني مصر إلي مواطني درجة أولي، وثانية، وثالثة، وما يستجد من درجات
عاشت مصر لكل المصريين
أولاً:
البيان الختامي
للمؤتمر الوطني الأول لمناهضة التمييز الديني
11-12 إبريل 2008
انعقد المؤتمر الوطني الأول لمناهضة التمييز الديني بالقاهرة على مدار يومي 11 و12 أبريل 2008 في وجه معارضة شرسة من قوى الرجعية والطائفية التي حاولت بكل الوسائل تشويه أهداف المؤتمر وصولا إلى منعه، وقد شارك في المؤتمر نخبة من المفكرين والمثقفين والكتاب، والسياسيين الذين يؤمنون بالمساواة وبحرية الاعتقاد لكل المصريين، إضافة إلى حضور كثيف للجمهور، حيث ناقشوا هذه المسألة وتبادلوا الرأي حول أفضل الطرق للقضاء على التمييز الديني الذي يعاني منه بعض المصريين، واتفق المشاركون علي:
· أن ظاهرة التمييز علي أساس الدين هي من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تفاقمت في الآونة الأخيرة – لما لها من تداعيات علي تقسيم هذا المجتمع طائفيا و تمزيق أواصر التضامن فيما بينه – و هذا في ظل تحديات كبري يواجهها المجتمع – سواء علي المستوي المحلي أو الدولي.
· أن حرية الاعتقاد هي من أوّلي الحريات بالاعتبار والمنصوص عليها في عديد من دساتير وقوانين العالم، بما فيها دستور جمهورية مصر العربية، الذي تنص المادة (40) منه على أن "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة"، وتنص المادة (46) على أنه "تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية"، كما تؤكد العديد من المواثيق الدولية التي قامت مصر بالتوقيع والمصادقة عليها، على الحرية المكفولة للفرد في اختيار دينه ومعتقده، كما تدعو إلي حرية ممارسة الكل لشعائره الدينية، دون الجور علي دين الأخر ومعتقده.
· نبذ كافة الدعاوي المتعلقة بالاستعلاء الديني، ونبذ الأخر، هجره، إقصائه، والتمييز ضده على أساس الدين، مؤكدين على أن استبدال تلك المظاهر التي تفشت في المجتمع، لن تتأتي إلا من خلال إعلاء قيم المساواة و المواطنة وسيادة القانون المستند لتلك القيم.
وباستعراض الأوراق والمناقشات والشهادات الحية المقدمة بالمؤتمر حول مظاهر التمييز الديني، تركزت استخلاصات محاور المؤتمر في التالي:
1- التمييز القانوني والدستوري: توافق الحاضرون على أن المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن "الإسلام دين الدولة، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" هي الغطاء الدستوري للتفرقة بين المواطنين على أساس الدين، كما أنها تتيح لأشخاص غير منتخبين التدخل في التشريع محللين ومحرمين القوانين التي يشرعها نواب الشعب من خلال البت في مدى مطابقة القانون للشريعة الإسلامية، وقد تزايد استناد المحكمة الإدارية العليا إلى مثل هذه الفتاوى في أحكامها مؤخرا لتقنين انتهاك حقوق غير المسلمين سواء فيما عرف إعلاميا بقضايا "العائدين للمسيحية" أو في قضايا "البهائيين" وغيرها.
كما أن إنشاء وصيانة دور العبادة لا زال يحكمها – رغم بعض التحسن – الخط الهمايوني أو فرمان الإصلاح المتعلق بترميم وبناء دور العبادة للأقباط الذي أصدره السلطان عبد المجيد في فبراير 1856، ومنشور العزبي باشا الصادر في فبراير 1934 بشروط متعسفة لبناء الكنائس. وهي شروط لا يخضع بناء الجوامع لمثلها،
و لا يوجد تشريع يجرم التمييز الديني مما يشجع على التمييز الديني كما حدث في حالة الدكتورة ميرا رؤوف التي كان حرمانها من التعيين في كلية طب المنيا حالة صارخة من حالات التمييز الديني.
2- التمييز في التعليم: نجح الفكر الرجعي المتعصب في السيطرة على العملية التعليمية في وزارة التربية والتعليم وهو أمر أصبح يعاني منه المسلمين وغير المسلمين على السواء، واتسعت ظاهرة تحول مقررات اللغة العربية إلى دروس إجبارية في العقيدة الإسلامية يدرسها المسلم وغير المسلم وتشمل: أن الإسلام مصدرا وحيدا للفضائل، و حشر النصوص الدينية بمناسبة وبدون مناسبة لتأكيد المرجعية الإسلامية، وإجبار الجميع، أيا كانت دياناتهم، على الالتزام بإعلاء وإتباع الأوامر والنواهي الإسلامية وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى فرض عقائد إسلامية على الطلبة المسيحيين تختلف عن، أو تتعارض مع، المسيحية، وغرس أفكار وأسس الدولة الدينية والنتيجة أن الأجيال الجديدة من المسلمين قد أصبحت أكثر تعصبا وتطرفا من آبائهم، أما بالنسبة للأجيال الجديدة من المسيحيين فهم يرون أن تدريس دينٍ معين خارج المقررات والحصص الخاصة بذاك الدين هو في حد ذاته إجبارٌ كريه، ورسالة مباشرة لا لبس فيها بدونية معتقداتهم وهيمنة الإسلام، وهو ما ينمي مشاعر العزلة والانسحاب بل والكراهية، وقد أنتج هذا النظام التعليمي شبابا من المسلمين والمسيحيين أكثر اهتماما بمظاهر التدين دون النفاذ إلى جوهره، باحثين عند رجال الدين عن "الفتاوى" التي تريحهم من عناء التفكير وتحمل المسئولية.
3- التمييز في التوظف: استعراض بعض الأرقام المنشورة عن "الوظائف العامة" مثل وظائف النيابة الإدارية، ورؤساء جامعات، والقضاء، والمبعوثين، والشرطة، والإدارة المحلية، ورؤساء البعثات التمثيلية والقنصلية في الخارج، وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات يوضح أن التمييز السلبي ضد المسيحيين يكاد يصبح سياسة ممنهجة تمارسها الدولة بكل أجهزتها وأفرعها، وعلي جميع المستويات.
4- التمييز في الإعلام: وذلك من خلال إشاعة مناخ هستيري يشجع على كراهية المسيحيين في مصر والهجوم على عقائد المسيحيين والتجريح المباشر وغير المباشر للمسيحيين واتهامهم بالكفر بالله، وهو ما يتم في كثير من الأحيان باستخدام الصحف ودور النشر والإذاعة والتليفزيون المملوكين للدولة، وتوزيع الخطب والدروس التي تزدري الدين المسيحي والمسيحيين في أنحاء البلاد دون أن تتدخل الدولة لتطبيق القانون.
ومع ذلك فقد رصد المؤتمر أيضا تنامي القوى المناهضة للتمييز الديني من أحزاب ومنظمات أهلية، كما رصد مبادرات شابة لرأب الصدع الوطني على أرضية المكاشفة والمصارحة ويمثلها مبادرة "معا أمام الله" التي تستحق التحية والتقدير والدعم، يعكس هذا التنامي والنهوض إدراك أنه رغم وجود أشكال وممارسات عديدة للتمييز بين المواطنين في مصر مثل التمييز الطبقي بين المواطنين في التعليم والعلاج والإسكان، وانعدام الفرص المتكافئة في الحصول على عمل للشباب في غيبة النفوذ والثروة، والتمييز ضد النساء وضد المعارضين السياسيين إلا أن أخطر أنواع التمييز على مستقبل مصر هو التمييز الديني لأنه يقوض دعائم الوطن والمواطنة ويعصف بأسس التقدم الحقيقي التي ترسخت عبر التاريخ، ويأتي هذا المؤتمر الأول تتويجا لنضال هذه القوى على مدى العقود الماضية، وإعلانا بأنها ستستمر معا يدا بيد حتى تستأصل التمييز الديني من البلاد.
إن مقاومتنا للتمييز الديني التي أوضح المؤتمر من خلال الأوراق المقدمة والشهادات أنه حقيقة لا شك فيها، لا يستهدف بأي حال البحث عن متهمين وملاحقتهم رغم تورط العديد من مؤسسات الدولة في هذه الممارسات الضارة والخطيرة، وإنما ينطلق من نظرة للمستقبل لا تراعي إلا الحرص على وطننا من الفتن والانقسامات التي تشهدها المنطقة من حولنا والحرص على مصالح مواطنينا الذين يواجهون مشاكل حياتية تتمثل في تردي مستوى معيشة أغلبيتهم الساحقة والانهيار المتزايد في مستويات التعليم والسكن والرعاية الصحية ..الخ، مما يتطلب تضافر جهودهم جميعا في النضال من أجل تجاوز هذه الأوضاع، وعدم الانجرار إلى معارك وهمية بين بعضهم البعض حول أمور عقائدية هي في صميم العلاقة بين الإنسان وربه الذي لم يفوض كائنا من كان على الأرض للحكم فيها.
التوصيات:
أولا: توحيد جهود الأفراد والمنظمات والأحزاب المشاركة في هذا المؤتمر وبدء حملة مشتركة للضغط من أجل تحقيق التالي:
1- مطالبة مؤسسات الدولة بالقيام بدورها في تفعيل أسس دولة سيادة المواطنة والقانون، التي ينص عليها الدستور في مادته الأولى، وفي تكريس مبدأ المساواة التي ينص عليها في مادته الاربعين كسياسة عامة تترجم واقعيا فيما يتخذ من قرارات إدارية ومشروعات قوانين.
2- التوجه إلي خيرة خبراءنا القانونيين والحقوقيين للعمل على تعديل المادة الثانية من الدستور باستنباط مقاصد الشريعة الإسلامية، جنبا إلي جنب مع استلهام كافة القيم التي استقرت عليها الإنسانية والتي تضمنتها جميع الأديان والشرائع السماوية وغيرها من قيم حثّت عليها مواثيق حقوق الإنسان وتوافق عليها العالم وأقرها منظماته الدولية لجعلها هي المصدر الرئيسي للتشريع.
3- تشكيل لجنة وطنية تتولى فحص وتنقية القوانين المصرية من كل ما يقيد حق المواطن المصري في حرية العقيدة وفي ممارسة الشعائر، بما يتضمنه ذلك من تجريم فرض العقائد بالإكراه والقوة سواء من قبل الدولة أو المنظمات أو الأفراد، مع تجديد المطالبة بإلغاء خانة الديانة من كل الأوراق الرسمية أو على الأقل جعلها اختيارية.
4- إصدار تشريع يجرم أي تمييز على أساس الدين أو الجنس أو العرق ويعاقب عليه بجزاء قانوني، يحاسب بموجبه كل من يثبت ممارسته التمييز ضد أي مواطن أو مواطنه، وإنشاء هيئة قومية تتولى مراقبة حقوق المواطنة وتضطلع بمهمة تلقي الشكاوى الخاصة بالتمييز ضد المواطنين والبت فيها.
5- إصدار قانون موحد لإنشاء وترميم دور العبادة دون تفرقة على أساس الديانة.
6- تشكيل لجنة قومية من خبراء التعليم – ومصر زاخرة بهم - لمراجعة كافة المواد الدراسية لتنقيتها من كل ما يعمق التقسيم والفرز الطائفي بين المواطنين المصريين، والتأكد من أن تدريس الأديان يتم فقط في المقررات الدينية، وتدريس ما يساعد على التسامح وقبول الآخر واحترام حقوق الإنسان والحرية الدينية.
7- حث أجهزة الإعلام وجميع وسائله على انتهاج سياسة الإعلاء من مبدأ المواطنة والدفاع عن حقوقها ونشر ثقافة التسامح والعيش المشترك واحترام جميع العقائد والأديان، ومكافحة الأفكار العنصرية والمتعصبة دينيا.
ثانيا: بدء حملة نشطة لاجتذاب مزيد من الأحزاب والمنظمات والأفراد للتوقيع على ميثاق مناهضة التمييز الديني الصادر عن هذا المؤتمر الذي يستهدف محاصرة التمييز الديني والفرز الطائفي شعبيا.
ثالثا: التعاون والتنسيق مع منظمات المجتمع المدني لرصد انتهاكات المواطنين بسبب انتماءاتهم الدينية وإصدار تقرير سنوي بهذا الصدد.
رابعا: عقد "المؤتمر الوطني لمناهضة التمييز الديني" بشكل سنوي لمتابعة ما صدر من قرارات سابقة، واتخاذ أي إجراءات تصحيحية، ووضع الاستراتيجيات اللازمة للقضاء على التمييز الديني.
خامسا: دعم ومساندة المبادرات الفردية والجماعية التي تدعو نحو مزيد من النشاطات المشتركة بين المواطنين المصريين على اختلاف معتقداتهم الدينية في كافة مناحي الحياة.
عاشت مصر لكل المصريينثانياً