سيزيف مصري

في الأسطورة الأغريقية، سيزيف في الجحيم وعقابه أن يرفع صخرة من القاع حتي قمة جبل شاهق، وقبل أن يصل بقليل تسقط منه لأسفل، فيعود ليبدأ من جديد، بلا نهاية. ما أشبه ذلك بنا، أولادك يا بلدي

Monday, September 29, 2008

من وحي حريق المسرح القومي

من وحي حريق المسرح القومي

لا زال سبتمبر، أيلول، يأبي أن يتركنا وحالنا.

فقبل أن ينتهي بثلاثة أيام، نشب حريق في المسرح القومي، أكبر وأهم مسرح مصري، ولكن لم تحدث وفيات هذه المرة، كما حدث في مسرح قصر ثقافة بني سويف 5 سبتمبر 2005– فقط لأن الحريق حدث في نهاية الأسبوع والمسرح مغلق! كذلك ساهم وجود الإدارة الرئيسية للدفاع المدني في العتبة – علي بعد أمتار من المسرح – وعدم تراخي الأداء كالمعتاد لكون هذا هو الحريق الثاني بعد قرابة أربعين يوم – أعني حريق مجلس الشوري في 17 أغسطس – ساهم هذا في ألا يتحول الحادث إلي كارثة بامتداد النيران إلي المباني المجاورة. علي أن الحريق استمر لأكثر من ساعتين قبل أن يسيطر عليه رجال الإطفاء، وانتهاء مؤقت لمخاوف بانهيار قبة المسرح

ولكن الحادث يثير الكثير من تداعي الأفكار والهواجس.

علمياً، لا يشب الحريق هائلاً مرة واحدة إلا في حالة وجود مواد قابلة للاشتعال. غير ذلك تبدأ الحرائق صغيرة جداً ثم تبدأ في الاتساع ما لم يوقفها شيء.

لماذا لا تخمد الحرائق في مصر إلا بعد ساعات، تكون النار فيها قد فعلت ما تريد؟
ولماذا تشتعل الحرائق في مسارح الدولة ولم نسمع بحدوثها في أي من المسارح الخاصة؟

في كارثة حريق مسرح بني سويف، توفي رجلان من رجال الإطفاء أثناء محاولة مكافحة الحريق. وفي حريق مجلس الشوري توفي أحد رجال الإطفاء وأصيب آخرون بالاختناق. وأخيراً في حريق المسرح القومي أصيب ثلاثة منهم بالاختناق ونقلوا للمستشفي. مجرد صدفة أنه دائماً ما تفوق الحرائق مهارات رجال الإطفاء، حتي في البقاء علي قيد الحياة؟

علي أن وزارة الداخلية تعطي رجالها في مثل تلك الحالات لقب "شهيد" بما يتضمنه هذا من حقوق مادية وأدبية. من هنا يمكن الادعاء بأنهم أحسن حالاً من المسرحيين، الذين لم تهتم وزارة الثقافة (أو ترغب)، وأخفق من كانوا وراء المطالبة بهذا الحق – وكنت منهم – في منحهم هذا اللقب رغم وفاتهم الكارثية في محرقة المسرح، الذين بلغ عددهم 37 غير المصابين.

يبدو الحال وكأنه علينا – وكل من يذهب للمسرح أو ربما لأي مكان – أن يكون مسئولاً عن أمنه وسلامته الشخصية ومن يهمه. أن يحمل معه طفاية حريق، ويتفقد أبواب الطوارئ، ويجلس بجوار منفذ الخروج و...لا يترك الصغار وحدهم بالبيت دون رفيق.

لم يتغير شيء.

أي مسرح يمكن أن يحترق. وسرعة استجابة جهاز الإطفاء للحريق، مثلها مثل أداء رجاله، ونظم تأمين المسارح، مؤهلة لتحويل أي حادث بسيط إلي كارثة.

الغريب أنه رغم هذا، لا يزال هناك كثيرون لم يكفروا بالمسرح بعد.

علي أنه ربما أن هناك حلاً فنياً.

لدينا حظر علي إقامة عروض مسرحية بالشارع بموجب قانون الطوارئ. والفرق التي يتعلق مشروعها الفني بعروض الشارع لديها مشكلة، لا شك. فيجب طلب الموافقة الأمنية أولاً لتحصل علي تصريح بالعرض، مرفقة – بالطبع – بالنص ومكان وزمان العرض لتكون الأمور تحت السيطرة. والبديل هو العرض دون تصريح أمني، والجري في حالة "الكبسة!" لتفادي الاحتمال الذي به من السخافة بقدر الألم: دخول ممثلين السجن أو الحجز بسبب عرض مسرحيتهم.

في واقعنا المسرحي الذي أعرفه، لن تجد أكثر من ثلاث فرق ترتبط عروضها بالشارع. ورغم المشاكل مع الأمن وقسوة الظروف – مما جعلهم يدخلون المسرح في أوقات كثيرة ليعرضون بين جدرانه أو في مساحات معزولة أقرب لشكل الشارع (في حديقة مثلاً أو أمام مسرح أو في الأوبرا، الخ)، إلا أن هذا لم يمنعهم من الحلم علي الأقل بأن يأتي يوم يمكنهم فيه العرض في الشارع.

ألا يجب أن تدفعنا الأحداث، وحقيقة أن القاعات المغلقة ليست الأكثر أماناً بل أنها تستحيل إلي محرقة في يد غير أمينة، إلي المطالبة بالسماح بعروض الشارع؟

ألا يمكن للمخرجين وأصحاب الفرق المسرحية الذين تحتاج عروضهم لخشبة مسرح أو دوائر مغلقة البحث عن أساليب وحيل يمكن بها إقامة عروضهم خارج المسارح، لتوفير درجة من الأماكن بات من العسير وجودها بين أي جدران في مصر؟

ربما يستحق الأمر أن يقتل بحثاً، بدلاً من احتمالات القتل الأخرى. وأقول قتل، لأن حتي مسمي الشهادة محرم علي الآثمين، مقترفي الفن. ولسنا أفضل ممن رحلوا لننال ما لم يأخذوه رغم أحقيتهم له أكثر منا نحن، من رأينا ما لم يروه، في ضوء نيران الحرائق.

ما حدث أنه بعد كارثة مسرح بني سويف تم طرح فكرة تشكيل لجنة أهلية أو مستقلة من المسرحيين والنشطاء لتفقد المسارح من ناحية الأمن الصناعي وإعداد تقارير. ولكنها لم تتجاوز الطرح في أحد البيانات. وربما لن.

ولأنه لم يحدث شيء، وتشبه الليلة، وكل ليلة، البارحة، فلن يكون من السهل طرح ذلك الهاجس، بالاحتمالات المخيفة. ولن يعللني وقتها، أني لن أكون ها هنا عندما يحدث هذا، ولا إدعائي بصيرة الزرقاء، التي لا يحتاج الأمر لعينيها لرؤية الدخان/الغبار

"
ماذا تفيد الكلمات البائسة ؟
قلت لهم ما قلت عن قوافل الغبار
فاتهموا عينيك، يا زرقاء بالبوار
قلت لهم ما قلت عن مسيرة الأشجار
فاستضحكوا من وهمك الثرثار
"

أصبنا كلنا بالهلع عندما بلغنا خبر احتراق المسرح القومي – وبالطبع ليس بالدهشة.

ليس من سبتمبر مفر. فهو يأتي كل عام، ولا يخلف موعداً.

وللأسف، فليس هناك، دائماً، للمسرح ربٌ يحميه.

Thursday, September 18, 2008

جدار






جدار

هي النهاية إذن
ودّع العش الصغير للمرة الأخيرة
وودّع كذلك أشياءك الصغيرة
ريشة أبيك – القشر القديم – صوت
النحيب – وما قد تذكر من رائحة

- - -


كان دوما يستطيع
يجول الأرض والسماء
ويفرق بين الأشياء
وكان له لوني وصوتي
وعيني التي لا تري
لم اسأله عن جدي – أبيه
لم تأت فرصة!

- - -


حكي لي كثيرا عن جزيرة
الأرض فيها بائسة
عن صرخات الزملاء في تلك الأرض البعيدة
الزملاء – الطيور الجارحة السوداء
جوعي ولا شك – فالأرض بائسة
وعن سلاحف الترسة الصغيرة
التي تخرج من مدافن البيض الرمال
لتبدأ سباق الحياة
نحو المياة المالحة

- - -


كانت تعترضها المخالب الحادة
تقلبها، فتصير بلا حيلة علي ظهرها
تضرب الهواء بأرجلها اليابسة
ويظهر بطنها الطري..
.......................
بعدها كان ينتفض ويقول
"أن مثله لا يصلح للحياة"
وقتها لم أدر ما يعنيه، ولم أسأله
كنت أنام دائما بعد سماع الحكاية!

- - -


"كان ضياء يقف علي رؤوس أصابعه، لو نسي نفسه لقطع الحبل إبطيه. كان رأسه الضائع بين كتفيه منقلبا إلي السقف والمطر يسوط ظهره. صلب الأوغاد ضياء لأنه أحد المسئولين، فهو إذن يعرف لمن أعطي كريم الآلة والورق.. الورق، الآلة: بضع حزم من الورق، وآلة كاتبة قديمة حرف الدال فيها لا يطبع"

- - -


تخشي ألا تعود؟
مع أنه لا يوجد من يسمع لك
وإن وجد فليس لديك ما تقول..
لم يبق بالروح شيء
الحبيبة والأصدقاء وكل من قابلت
عندما رحلوا أخذوا منها ما أخذوا
ولم يتركوا شئ
ومضيت في سلام.. طوبي بما قد بقي لك!

- - -


أي مكان غير هنا يجدي
غير أنك لا تملك ترف الرحيل
لا مرافق.. لا إشارة.. لاطريق!
إحساسك والبداهة وجناحان..
لم يجربا عصف الريح بعد

- - -


لا يوجد هذه المرة
أمل كل مفارق – في اللقاء ولو صدفة
أمل كل مغادر – في العود ولو حتي جسد
(في رحلة واحدة أخيرة لا بديل للقلب الغريب عن الوصول)

- - -


لو عاد سأسأله لا محالة
عن جدي، عما جعله يمضي
وعن السلاحف
هل كانت تري؟

- - -


تعلمت أخيرا إذا ما وقفت
أن يكون ظهرك والجدار
فحتي هذا الذي هو أنت
لا تأمن جعله خلفك
جميل هذا الحذر
شئ واحد يذكره القلب المحتضر
فعند "الوقفة العزلاء ما بين السيف والجدار
ليس ثمة فرار.. ولا
أمل!

18/6/2000

18/9/2008

سيزيف