عبد الكريم، خمسة سبتمبر، المدونون، الكفر بالجماعة
عبد الكريم، خمسة سبتمبر، المدونون، الكفر بالجماعة
كفرت بالجماعة. وربما أنه ليس الكفر الأول ولا الأخير
كانت أول تجاربي في العمل أو النشاط العام بعد وبسبب محرقة مسرح بني سويف سبتمبر 2005. كنت قريب جداً مما حدث، وكان من الممكن أن أكون أحد الضحايا لاهتمامي بمتابعة مهرجانات المسرح والموسيقي، الفن بشكل عام، لكن لم يكتب لي مشاركتهم الرحلة. لم أعرف أحدهم معرفة شخصية، لكني كنت اعرف بعضهم كنقاد أو ممثلين، ربما أني عرفتهم أكثر بعد ما رحلوا.
عملت من أجل ألا تذهب دماء الضحايا هباء، وأن يعاقب المسئوليين الذين حددناهم في بياننا الأول، ومن أجل ألا يتكرر ذلك معنا، ومن أجل إطلاق لقب شهداء عليهم، عملت لأجل هذا في لإطار جماعة سميت باسم يوم الحريق "جماعة خمسة سبتمبر"، من مسرحيين وفنانين. وبعد ثلاثة أشهر وعشرة أيام خرجت منها كما دخلت وسط أحداث دراماتيكية، كان محصلتها وصولي لهذا اليقين، الكفر بالجماعة. وأنا أعني أي جماعة في مصر، وليس جماعة المسرح فقط. كانت تجربة قاسية لا أظنني أحب الحديث عنها مرة أخري.
ما ألمني هو أنه في مواجهة كارثة بتلك البشاعة يموت فيها أكثر 50 شخص محترقاً منهم مسرحيين ونقاد قريبون منا للغاية لدرجة تجعلنا نقدر قيمتهم أكثر من غيرنا، نفشل في تجاوز ذواتنا. لم نستطيع أن نأخذ ثأر من رحلوا ولا حماية أنفسنا من أن يحدث لنا هذا ثانية في مسرح آخر. وكلنا مذنبين، لا استثني أحداً. وبعد فترة اكتئاب طويلة عدت ثانية في تردد لمظاهرات كفاية واعتصامات القضاة. ثم انتهي الأمر. "شطارة الأمن"؟ احباطات الناس؟ سوء التنظيم؟ النتيجة كانت خواء واستسلام للأمر الواقع. التوريث أو الإخوان.
عندما وصلني بيان مصريين ضد التمييز الديني وقعت عليه، ورغم توجسي من نجاح أي "جماعة" في مصر، أعني أي تجمع لأفراد، لم استطع منع ميولي السيزيفية في البدء من جديد رغم جفاف الأمل. صارت قناعتي هي العمل كفرد وعدم انتظار حلولاً من أي جماعة، وانتظار أن تلتقي تيارات أو مجهودات فردية لتبني شيئاً. ربما لأنه من الصعب أن أجازف بفشل جديد.
في نهاية ديسمبر الماضي تم تحويل عبد الكريم نبيل إلي نيابة أمن الدولة. والتهمة أو القضية هي التدوين والكتابة، ما يدونه أو يكتبه وتراه المؤسسة أو الأزهر أو أمن الدولة تجديف أو ازدراء أديان أو قلة أدب.
عبد الكريم مدون. ربما هذا هو السبب الذي جعلني احرص علي متابعة قضيته باهتمام. صحيح أنه تم حبس الكثير من المدونين (علاء ومالك والشرقاوي وأسماء، مثلاً)، ولكن لم يكن السبب هو ما كتبوا أو يكتبون ولكن كونهم نشطين والقبض عليهم أثناء التظاهر أو الاعتصام. لن أقول أني مع ما قاله أو كتبه عبد الكريم، ولن أقول أني ضده، لا يعنيني أصلاً كوني معه أو ضده، يعنيني أنه متهم بحرية التعبير
لم يتفق المدونون مع الوقوف معه. بعضهم يري أنه يجب تربيته علي تجديفه، ولن أتجاوز إذا قلت أن بعضهم ضده، وضد الحرية المطلقة في التعبير "في النهاية نحن في مجتمع محافظ ويجب أن يحترم الجميع نفسهم". من الصعب أن يكون المرء موضوعياً.
المهم أنه رغم تجاوز موضوع عبد الكريم الفضاء السيبري إلي الواقع والقبض عليه في أمن الدولة، لم يتجاوز رد الفعل لدينا، المدونين، هذا الفضاء. تجد بانر أطلقوا سراح عبد الكريم علي مدونات كثيرة، وتدوينات عنه، ولكن كل هذا علي الانترنيت.
المدونون لديهم مجتمع، يمكن تسميته مجتمع التدوين أو المدونين، بعضهم يعرفون بعضهم في الحياة وآخرون مجرد رابط أو تعليق علي الانترنيت. هل نظلمهم أو نجلد ذاتنا إذا قلنا أن مجتمعنا يحمل نفس مشاكل كل مجتمعات مصر المختلفة، وبأننا لم نستجيب لقضية زميلنا كما ينبغي؟ تعرفون حكاية "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"؟
لأنني استوعبت معني محرقة بني سويف جيداً لم يصيبني ما أصاب الناس من خبر تحرشات أو انتهاكات أول وثاني أيام عيد الفطر 2006 بوسط البلد. عدم التصديق، هستيريا البنات، البكاء، الرعب من الآتي؛ ثم البحث عن التفسير، السبب وراء كل هذا، لنتجاوز الصدمة: "الكبت"، "الفقر"، "الراقصة دينا"، "البنات"، "الليبرالية"، "وسط البلد"، "السينما"، "غياب الأمن"، "شباب المناطق العشوائية"، "غياب قنوات التفريغ". تلك كانت اقتراحات البعض بالتفسير. وبالمثل، لن يصيبني ما سيصيب المدونين في المرة القادمة، عندما يتم القبض عليّ أو أي مدون آخر، وحبسه مدي الحياة، بعد التخفيف. هل يستبعد وجود حكم بالإعدام؟ ربما أن هناك سيناريوهات سياسية مستقبلية يمكنها تمرير ذلك دون مشاكل
كل مجتمع – مثل كل فرد – في نظري، يأخذ ما يستحق من حقوق أو امتهانات. تخبرنا الاحصاءات عن ما يزيد عن عشرة آلاف مدونة ومدون في مصر. لم يحضر منهم محاكمة عبد الكريم إلا اثنين.
لا فرق بين الأمس واليوم، وربما لن يكون بين اليوم والغد، لا يستطيع الناس تجاوز ميولهم وذواتهم حتى إزاء أحداث بمثل تلك الاستثنائية: تهمة الكتابة. أو ربما يتعلق الأمر بفشل الجماعة بشكل عام في الوصول لحل، للتربية "الوسخة" التي لا تدع مجالاً لموقف متحضر وحقيقي من الآخر. فما هي إمكانية، مثلاً، وجود تنظيم أو تجميع للمدونين في الواقع مثل مجمع العمرانية السيبيري لمنال وعلاء؟ وهل له أن يحرز نجاحاً متجاوزاً لكفاية وشباب من أجل التغيير وخمسة سبتمبر؟
عبد الكريم والمدونون، ضحايا المسرح وجماعة خمسة سبتمبر، السيد حافظ والمسرحيون ، هل سنضيف لهم خليل كلفت والمثقفون؟
وبدون تعليق:
كفرت بالجماعة. وربما أنه ليس الكفر الأول ولا الأخير
كانت أول تجاربي في العمل أو النشاط العام بعد وبسبب محرقة مسرح بني سويف سبتمبر 2005. كنت قريب جداً مما حدث، وكان من الممكن أن أكون أحد الضحايا لاهتمامي بمتابعة مهرجانات المسرح والموسيقي، الفن بشكل عام، لكن لم يكتب لي مشاركتهم الرحلة. لم أعرف أحدهم معرفة شخصية، لكني كنت اعرف بعضهم كنقاد أو ممثلين، ربما أني عرفتهم أكثر بعد ما رحلوا.
عملت من أجل ألا تذهب دماء الضحايا هباء، وأن يعاقب المسئوليين الذين حددناهم في بياننا الأول، ومن أجل ألا يتكرر ذلك معنا، ومن أجل إطلاق لقب شهداء عليهم، عملت لأجل هذا في لإطار جماعة سميت باسم يوم الحريق "جماعة خمسة سبتمبر"، من مسرحيين وفنانين. وبعد ثلاثة أشهر وعشرة أيام خرجت منها كما دخلت وسط أحداث دراماتيكية، كان محصلتها وصولي لهذا اليقين، الكفر بالجماعة. وأنا أعني أي جماعة في مصر، وليس جماعة المسرح فقط. كانت تجربة قاسية لا أظنني أحب الحديث عنها مرة أخري.
ما ألمني هو أنه في مواجهة كارثة بتلك البشاعة يموت فيها أكثر 50 شخص محترقاً منهم مسرحيين ونقاد قريبون منا للغاية لدرجة تجعلنا نقدر قيمتهم أكثر من غيرنا، نفشل في تجاوز ذواتنا. لم نستطيع أن نأخذ ثأر من رحلوا ولا حماية أنفسنا من أن يحدث لنا هذا ثانية في مسرح آخر. وكلنا مذنبين، لا استثني أحداً. وبعد فترة اكتئاب طويلة عدت ثانية في تردد لمظاهرات كفاية واعتصامات القضاة. ثم انتهي الأمر. "شطارة الأمن"؟ احباطات الناس؟ سوء التنظيم؟ النتيجة كانت خواء واستسلام للأمر الواقع. التوريث أو الإخوان.
عندما وصلني بيان مصريين ضد التمييز الديني وقعت عليه، ورغم توجسي من نجاح أي "جماعة" في مصر، أعني أي تجمع لأفراد، لم استطع منع ميولي السيزيفية في البدء من جديد رغم جفاف الأمل. صارت قناعتي هي العمل كفرد وعدم انتظار حلولاً من أي جماعة، وانتظار أن تلتقي تيارات أو مجهودات فردية لتبني شيئاً. ربما لأنه من الصعب أن أجازف بفشل جديد.
في نهاية ديسمبر الماضي تم تحويل عبد الكريم نبيل إلي نيابة أمن الدولة. والتهمة أو القضية هي التدوين والكتابة، ما يدونه أو يكتبه وتراه المؤسسة أو الأزهر أو أمن الدولة تجديف أو ازدراء أديان أو قلة أدب.
عبد الكريم مدون. ربما هذا هو السبب الذي جعلني احرص علي متابعة قضيته باهتمام. صحيح أنه تم حبس الكثير من المدونين (علاء ومالك والشرقاوي وأسماء، مثلاً)، ولكن لم يكن السبب هو ما كتبوا أو يكتبون ولكن كونهم نشطين والقبض عليهم أثناء التظاهر أو الاعتصام. لن أقول أني مع ما قاله أو كتبه عبد الكريم، ولن أقول أني ضده، لا يعنيني أصلاً كوني معه أو ضده، يعنيني أنه متهم بحرية التعبير
لم يتفق المدونون مع الوقوف معه. بعضهم يري أنه يجب تربيته علي تجديفه، ولن أتجاوز إذا قلت أن بعضهم ضده، وضد الحرية المطلقة في التعبير "في النهاية نحن في مجتمع محافظ ويجب أن يحترم الجميع نفسهم". من الصعب أن يكون المرء موضوعياً.
المهم أنه رغم تجاوز موضوع عبد الكريم الفضاء السيبري إلي الواقع والقبض عليه في أمن الدولة، لم يتجاوز رد الفعل لدينا، المدونين، هذا الفضاء. تجد بانر أطلقوا سراح عبد الكريم علي مدونات كثيرة، وتدوينات عنه، ولكن كل هذا علي الانترنيت.
المدونون لديهم مجتمع، يمكن تسميته مجتمع التدوين أو المدونين، بعضهم يعرفون بعضهم في الحياة وآخرون مجرد رابط أو تعليق علي الانترنيت. هل نظلمهم أو نجلد ذاتنا إذا قلنا أن مجتمعنا يحمل نفس مشاكل كل مجتمعات مصر المختلفة، وبأننا لم نستجيب لقضية زميلنا كما ينبغي؟ تعرفون حكاية "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"؟
لأنني استوعبت معني محرقة بني سويف جيداً لم يصيبني ما أصاب الناس من خبر تحرشات أو انتهاكات أول وثاني أيام عيد الفطر 2006 بوسط البلد. عدم التصديق، هستيريا البنات، البكاء، الرعب من الآتي؛ ثم البحث عن التفسير، السبب وراء كل هذا، لنتجاوز الصدمة: "الكبت"، "الفقر"، "الراقصة دينا"، "البنات"، "الليبرالية"، "وسط البلد"، "السينما"، "غياب الأمن"، "شباب المناطق العشوائية"، "غياب قنوات التفريغ". تلك كانت اقتراحات البعض بالتفسير. وبالمثل، لن يصيبني ما سيصيب المدونين في المرة القادمة، عندما يتم القبض عليّ أو أي مدون آخر، وحبسه مدي الحياة، بعد التخفيف. هل يستبعد وجود حكم بالإعدام؟ ربما أن هناك سيناريوهات سياسية مستقبلية يمكنها تمرير ذلك دون مشاكل
كل مجتمع – مثل كل فرد – في نظري، يأخذ ما يستحق من حقوق أو امتهانات. تخبرنا الاحصاءات عن ما يزيد عن عشرة آلاف مدونة ومدون في مصر. لم يحضر منهم محاكمة عبد الكريم إلا اثنين.
لا فرق بين الأمس واليوم، وربما لن يكون بين اليوم والغد، لا يستطيع الناس تجاوز ميولهم وذواتهم حتى إزاء أحداث بمثل تلك الاستثنائية: تهمة الكتابة. أو ربما يتعلق الأمر بفشل الجماعة بشكل عام في الوصول لحل، للتربية "الوسخة" التي لا تدع مجالاً لموقف متحضر وحقيقي من الآخر. فما هي إمكانية، مثلاً، وجود تنظيم أو تجميع للمدونين في الواقع مثل مجمع العمرانية السيبيري لمنال وعلاء؟ وهل له أن يحرز نجاحاً متجاوزاً لكفاية وشباب من أجل التغيير وخمسة سبتمبر؟
عبد الكريم والمدونون، ضحايا المسرح وجماعة خمسة سبتمبر، السيد حافظ والمسرحيون ، هل سنضيف لهم خليل كلفت والمثقفون؟
وبدون تعليق:
1
"وعلمت أن الشمس لم تعبر بقريتي.. ولا مر القمر
بدروبها من ألف جيل
ولا العيون تبسمت يوماً لمولود
ولا دمعت لإنسان يموت
فالناس من هول الحياة
موتي علي قيد الحياة!" نجيب سرور
2
نشرت جريدة الأخبار في 9 يوليو 2006 خبراً عن تعديل أحكام قانون العقوبات في قضايا النشر
مادة 178 مكرر ثانيا فقرة أولى يعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنية ولا تزيد علي ثلاثين ألف جنية كل من صنع أو حاز بقصد الاتجار أو التوزيع أو الإيجار أو اللصق أو العرض صورا من شأنها الإساءة إلى سمعة البلاد سواء أكان ذلك بمخالفة الحقيقة أو بإعطاء وصف غير صحيح
.مادة 200 مكررا يعاقب علي إصدار الصحف أو المطبوعات أو غيرها من طرق النشر بالمخالفة للأحكام المقررة قانونا بالحبس مدة لا تقل عن ستة اشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة الاف جنية ولا تجاوز ثلاثين ألف جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين فضلا عن الحكم بمصادرة ما يصدر من الإعداد
-
تم تأجيل النطق بالحكم في قضية كريم للخميس القادم 25 يناير 2007
محكمة محرم بيه الجزئية بالإسكندرية - الدور الثالث - قاعة 4، لمن يهمه الأمر